وَانْتَصَبَ سِرًّا وَعَلانِيَةً عَلَى الصِّفَةِ لِمَصْدَرِ أَنْفَقُوا مَحْذُوفٍ، أَيْ إِنْفَاقَ سِرٍّ وَإِنْفَاقَ عَلَانِيَةٍ وَالْمَصْدَرُ مُبَيِّنٌ لِلنَّوْعِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ مِنَ الْإِنْفَاقِ إِلَّا مَرْضَاةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُرَاءُونَ بِهِ، فَهُمْ يُنْفِقُونَ حَيْثُ لَا يَرَاهُمْ أَحَدٌ وَيُنْفِقُونَ بِمَرْأًى مِنَ النَّاسِ فَلَا يَصُدُّهُمْ مُشَاهَدَةُ النَّاسِ عَنِ الْإِنْفَاقِ.
وَفِي تَقْدِيمِ السِّرِّ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ لِانْقِطَاعِ شَائِبَةِ الرِّيَاءِ مِنْهُ، وَذِكْرُ الْعَلَانِيَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يَصُدُّهُمْ مَرْأَى الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْإِنْفَاقِ فَهُمْ قَدْ أَعْلَنُوا بِالْإِيمَانِ وَشَرَائِعِهِ حُبَّ مَنْ حَبَّ أَوْ كُرْهَ مَنْ كَرِهَ.
ويَرْجُونَ تِجارَةً هُوَ خَبَرُ إِنَّ.
وَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِنْشَاءِ التَّبْشِيرِ كَأَنَّهُ قِيلَ: لِيَرْجُوا تِجَارَةً، وَزَادَهُ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ:
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ قَرِينَةً عَلَى إِرَادَةِ التَّبْشِيرِ.
وَالتِّجَارَةُ مُسْتَعَارَةٌ لِأَعْمَالِهِمْ مِنْ تِلَاوَةٍ وَصَلَاةٍ وَإِنْفَاقٍ.
وَوَجْهُ الشَّبَهِ مُشَابَهَةُ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ بِتَرَتُّبِ الرِّبْحِ عَلَى التِّجَارَةِ.
وَالْمَعْنَى: لِيَرْجُوا أَنْ تَكُونَ أَعْمَالُهُمْ كَتِجَارَةٍ رَابِحَةٍ.
وَالْبَوَارُ: الْهَلَاكُ. وَهَلَاكُ التِّجَارَةِ: خَسَارَةُ التَّاجِرِ. فَمَعْنَى لَنْ تَبُورَ أَنَّهَا رَابِحَةٌ.
ولَنْ تَبُورَ صِفَةُ تِجارَةً. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَرْجُونَ عَدَمَ بَوَارِ التِّجَارَةِ.
فَالصِّفَةُ مَنَاطُ التَّبْشِيرِ وَالرَّجَاءِ لَا أَصْلُ التِّجَارَةِ لِأَنَّ مُشَابَهَةَ الْعَمَلِ الْفَظِيعِ لِعَمَلِ التَّاجِرِ شَيْءٌ مَعْلُومٌ.
ولِيُوَفِّيَهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِ يَرْجُونَ، أَيْ بَشَّرْنَاهُمْ بِذَلِكَ وَقَدَّرْنَاهُ لَهُمْ لِنُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ.
وَوَقَعَ الِالْتِفَاتُ مِنَ التَّكَلُّمِ فِي قَوْلِهِ: مِمَّا رَزَقْناهُمْ إِلَى الْغَيْبَةِ رُجُوعًا إِلَى سِيَاقِ الْغَيْبَةِ مِنْ قَوْلِهِ: يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ أَيْ لِيُوَفِّيَ اللَّهُ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَهُ.
وَالتَّوْفِيَةُ: جَعْلُ الشَّيْءِ وَافِيًا، أَيْ تَامًّا لَا نَقِيصَةَ فِيهِ وَلَا غَبْنَ.
وَأَسْجَلَ عَلَيْهِمُ الْفَضْلَ بِأَنَّهُ يَزِيدُهُمْ عَلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ أَعْمَالُهُمْ ثَوَابًا مِنْ فَضْلِهِ،