فَعُطِفَ عَلَيْهَا الْخَبَرُ، عَلَى أَنَّ عَطْفَ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ جَائِزٌ عَلَى التَّحْقِيقِ وَهُوَ هُنَا حَسَنٌ.
وَوَصْفُ الرَّسُولِ بِالنَّذِيرِ لِأَنَّ الْأَهَمَّ مِنْ شَأْنِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ هُوَ النِّذَارَةُ.
وَالْفَاءُ فِي فَذُوقُوا لِلتَّفْرِيعِ. وَحَذْفُ مَفْعُولِ «ذُوقُوا» لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ، أَيْ ذُوقُوا الْعَذَابَ.
وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فَذُوقُوا مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الدَّوَامِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْخَلَاصِ مِنَ الْعَذَابِ.
وَقَوْلُهُ: فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنَ الْحِكَايَةِ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ الَّذِي وَبَّخَهُمُ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ تَذْيِيلُ لَهُ وَتَفْرِيعٌ عَلَيْهِ لِتَأْيِيسِهِمْ مِنَ الْخَلَاصِ يَعْنِي: فَأَيْنَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ أَوْلِيَاؤُكُمْ وَنُصَرَاؤُكُمْ فَمَا لَكُمْ مَنْ نَصِيرٍ.
وَعُدِلَ عَنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ أَنْ يُقَالَ: فَمَا لَكُمَ مِنْ نَصِيرٍ، إِلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ بِوَصْفِ «الظَّالِمِينَ» لِإِفَادَةِ سَبَبِ انْتِفَاءِ النَّصِيرِ عَنْهُمْ فَفِي الْكَلَامِ إِيجَازٌ، أَيْ لِأَنَّكُمْ ظَالِمُونَ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مَنْ نَصِيرٍ، فَالْمَقْصُودُ ابْتِدَاءُ نَفْيِ النَّصِيرِ عَنْهُمْ وَيَتْبَعُهُ التَّعْمِيمُ بِنَفْيِ النَّصِيرِ عَنْ كُلِّ مَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا مُفَرَّعًا عَلَى الْقِصَّةِ ذُيِّلَتْ بِهِ لِلسَّامِعِينَ مِنْ قَوْلِهِ:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ [فاطر: ٣٦] ، فَلَيْسَ فِيهِ عُدُولٌ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى الْإِظْهَارِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِفَادَةُ شُمُولِ هَذَا الْحُكْمِ لِكُلِّ ظَالِمٍ فَيَدْخُلُ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ فِي الْعُمُومِ.
وَالظُّلْمُ: هُوَ الِاعْتِدَاءُ عَلَى حَقِّ صَاحِبِ حَقٍّ، وَأَعْظَمُهُ الشِّرْكُ لِأَنَّهُ اعْتِدَاءٌ عَلَى اللَّهِ بإنكار صفته النفيسة وَهِي الْوَحْدَانِيَّةُ، وَاعْتِدَاءُ الْمُشْرِكِ على نَفسه إِذْ أَقْحَمَهَا فِي الْعَذَابِ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَان: ١٣] .
وَتَعْمِيمُ «الظَّالِمِينَ» وَتَعْمِيمُ «النَّصِيرِ» يَقْتَضِي أَنَّ نَصْرَ الظَّالِمِ تَجَاوُزٌ لِلْحَقِّ، لِأَنَّ الْحَقَّ أَنْ لَا يَكُونَ لِلظَّالِمِ نَصِيرٌ، إِذْ وَاجِبُ الْحِكْمَةِ وَالْحَقِّ أَنْ يَأْخُذَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى يَدِ كُلِّ ظَالِمٍ لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُكَلَّفَةٌ بِدَفْعِ الْفَسَادِ عَنْ جَمَاعَتِهَا.