نِسْبَةٍ كَانَتْ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى فَاعِلِهِ، أَيْ زَانَتْهَا الْكَوَاكِبُ أَوْ إِلَى الْمَفْعُولِ، أَيْ بِزِينَةِ اللَّهِ الْكَوَاكِبَ، أَيْ جَعْلَهَا زَيْنًا. وَإِنْ جَعَلْتَ زِينَةِ اسْمًا لِمَا يُتَزَيَّنُ بِهِ مِثْلَ قَوْلِنَا: لِيقَةٍ لِمَا تُلَاقُ بِهِ الدَّوَاةُ، فَالْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةٌ عَلَى مَعْنَى «مِنَ» الِابْتِدَائِيَّةِ، أَيْ زِينَةٍ حَاصِلَةٍ مِنَ الْكَوَاكِبِ. وَأَيًّا مَا كَانَ فإقحام لَفْظِ زِينَةِ تَأْكِيدٌ، وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ بِسَبَبِ زِينَةِ الْكَوَاكِبِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِالْكَوَاكِبِ تَزْيِينًا فَكَانَ بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ فِي قُوَّةِ: بِالْكَوَاكِبِ تَزْيِينًا، فَقَوْلُهُ: بِزِينَةٍ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِفِعْلِ زَيَّنَّا فِي الْمَعْنَى وَلَكِنْ حَوْلَ التَّعْلِيقِ فَجَعْلَ زِينَةً هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِ زَيَّنَّا لِيُفِيدَ مَعْنَى التَّعْلِيلِ وَمَعْنَى
الْإِضَافَةِ فِي تَرْكِيبٍ وَاحِدٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْإِيجَازِ، لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ زِينَةٌ مِنْ تَعْلِيقِهِ بِفِعْلِ زَيَّنَّا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى إِعَادَةِ زِينَةٍ لَوْلَا مَا قُصِدَ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيلِ وَالتَّوْكِيدِ.
والدُّنْيا: أَصْلُهُ وَصْفٌ هُوَ مُؤَنَّثُ الْأَدْنَى، أَيِ الْقُرْبَى. وَالْمُرَادُ: قُرْبُهَا مِنَ الْأَرْضِ، أَيْ السَّمَاءُ الْأُولَى مِنَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ.
وَوَصَفَهَا بِالدُّنْيَا: إِمَّا لِأَنَّهَا أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ مِنْ بَقِيَّةِ السَّمَاوَاتِ، وَالسَّمَاءُ الدُّنْيَا عَلَى هَذَا هِيَ الْكُرَةُ الَّتِي تُحِيطُ بِكُرَةِ الْهَوَاءِ الْأَرْضِيَّةِ وَهِيَ ذَاتُ أَبْعَادٍ عَظِيمَةٍ. وَمَعْنَى تَزْيِينِهَا بِالْكَوَاكِبِ وَالشُّهُبِ عَلَى هَذَا أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْكَوَاكِبَ وَالشُّهُبَ سَابِحَةً فِي مُقَعَّرِ تِلْكَ الْكُرَةِ عَلَى أَبْعَادٍ مُخْتَلِفَةٍ وَوَرَاءَ تِلْكَ الْكُرَةِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ مُحِيطٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فِي أَبْعَادٍ لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ سَعَتِهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَنِظَامُ الْكَوَاكِبِ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالنِّظَامِ الشَّمْسِيِّ عَلَى هَذَا مِنْ أَحْوَالِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَلَا مَانِعَ مِنْ هَذَا لِأَنَّ هَذِهِ اصْطِلَاحَاتٌ، وَالْقُرْآنُ صَالِحٌ لَهَا، وَلَمْ يَأْتِ لِتَدْقِيقِهَا وَلَكِنَّهُ لَا يُنَافِيهَا. وَالسَّمَاءُ الدُّنْيَا عَلَى هَذَا هِيَ الَّتِي وُصِفَتْ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ بِالْأُولَى. وَإِمَّا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّمَاءِ الدُّنْيَا الْكُرَةُ الْهَوَائِيَّةُ الْمُحِيطَةُ بِالْأَرْضِ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَلَا مِنَ الشُّهُبِ وَأَنَّ الْكَوَاكِبَ وَالشُّهُبَ فِي أَفْلَاكِهَا وَهِيَ السَّمَاوَاتُ السِّتُّ وَالْعَرْشُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النِّظَامُ الشَّمْسِيُّ كُلُّهُ لَيْسَ مِنْ أَحْوَالِ السَّمَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute