للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدُّنْيَا. وَمَعْنَى تَزْيِينِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِالْكَوَاكِبِ وَالشُّهُبِ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ أَدِيمَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَابِلًا لِاخْتِرَاقِ أَنْوَارِ الْكَوَاكِبِ فِي نِصْفِ الْكُرَةِ السَّمَاوِيَّةِ الَّذِي يَغْشَاهُ الظَّلَامُ مِنْ تَبَاعُدِ نُورِ الشَّمْسِ عَنْهُ فَتَلُوحُ أَنْوَارُ الْكَوَاكِبِ مُتَلَأْلِئَةً فِي اللَّيْلِ فَتَكُونُ تِلْكَ الْأَضْوَاءُ زِينَةً لِلسَّمَاءِ الدُّنْيَا تَزْدَانُ بِهَا.

وَالْآيَةُ صَالِحَةٌ لِلِاحْتِمَالَيْنِ لِأَنَّهَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا إِلَّا أَنَّ السَّمَاءَ الدُّنْيَا تَزْدَانُ بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْكَوَاكِبِ سَابِحَةً فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا. فَالزِّينَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالنَّاسِ، وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي يَزْدَانُ بِهَا النَّاسُ مُغَايِرَةٌ لَهُمْ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُمْ وَمِثْلُهُ قَوْلُنَا: ازْدَانَ الْبَحْرُ بِأَضْوَاءِ الْقَمَرِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ بِإِضَافَةِ زِينَةِ إِلَى الْكَواكِبِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ بِتَنْوِينِ زِينَةٍ وَجَرِّ الْكَواكِبِ عَلَى أَنَّ الْكَواكِبِ بَدَلٌ مِنْ زِينَةٍ. وَقَرَأَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِتَنْوِينِ زِينَةٍ وَنَصْبِ الْكَواكِبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِتَقْدِيرِ: أَعْنِي.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى زِينَةِ السَّمَاءِ بِالْكَوَاكِبِ وَكَوْنِهَا حِفْظًا مِنَ الشَّيَاطِينِ عِنْدَ قَوْلِهِ

تَعَالَى: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [١٦، ١٧] . وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْكَوَاكِبِ فِي قَوْلِهِ: رَأى كَوْكَباً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٧٦] .

وَانْتَصَبَ حِفْظاً بِالْعَطْفِ عَلَى بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ عَطْفًا عَلَى الْمَعْنَى كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فِي «الْكَشَّافِ» وَبَيَّنَهُ مَا بَيَّنَاهُ آنِفًا مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ فِي قُوَّةِ أَنْ يُقَالَ:

بِالْكَوَاكِبِ زِينَةً، وَعَامِلُهُ زَيَّنَّا.

وَالْحِفْظُ مِنَ الشَّيَاطِينِ حِكْمَةٌ مِنْ حِكَمِ خَلْقِ الْكَوَاكِبِ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْكَوَاكِبَ خُلِقَتْ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِ الشَّيَاطِينِ الرَّجْمَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ إِلَّا بَعْدَ أَنْ أُطْرِدَ إِبْلِيسُ مِنْ عَالَمِ الْمَلَائِكَةِ فَلَمْ يَحْصُلْ شَرْطُ اتِّحَادِ الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ مَعَ عَامِلِهِ فِي الْوَقْتِ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ لَا يَرَى اشْتِرَاطُ ذَلِكَ. وَلَعَلَّ الزَّمَخْشَرِيَّ يُتَابِعُهُ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ جَعَلَهُ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى اعْتِبَارِهِ عِلَّةً مُقَدَّرَةً كَمَا جَوَّزَ فِي الْحَالِ أَنْ تَكُونَ مُقَدَّرَةً.