وَالْفِدَى وَالْفِدَاءُ: إِعْطَاءُ شَيْءٍ بَدَلًا عَنْ حَقٍّ لِلْمُعْطَى، وَيُطْلَقُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُفَدَّى بِهِ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ. وَأُسْنِدَ الْفِدَاءُ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ الْآذِنُ بِهِ، فَهُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، فَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ الْكَبْشَ فِدَاءً عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ الْفَادِي بِإِذْنِ اللَّهِ، وَابْنُ إِبْرَاهِيمَ مُفْدًى.
وَالذِّبْحُ بِكَسْرِ الذَّالِ: الْمَذْبُوحُ وَوَزْنُ فِعْلٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ عَيْنِ الْكَلِمَةِ يُكْثِرُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ مِمَّا اشْتُقَّ مِنْهُ مِثْلَ: الْحِبُّ وَالطِّحْنُ وَالْعِدْلُ.
وَوَصْفُهُ بِ عَظِيمٍ بِمَعْنَى شَرُفَ قَدْرُ هَذَا الذِّبْحِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ فَدَى بِهِ ابْنَ رَسُولٍ وَأَبْقَى بِهِ مَنْ سَيَكُونُ رَسُولًا فَعَظَّمَهُ بِعِظَمِ أَثَرِهِ، وَلِأَنَّهُ سَخَّرَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَذَلِكَ الْمَكَانِ.
وَقَدْ أَشَارَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ إِلَى قِصَّةِ الذَّبِيحِ وَلَمْ يُسَمِّهِ الْقُرْآنُ لِعِلَّةٍ لِئَلَّا يُثِيرَ خِلَافًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فِي تَعْيِينِ الذَّبِيحِ مِنْ وَلَدَيْ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ الْمَقْصِدُ تَأَلُّفَ أَهْلِ الْكِتَابِ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي الِاعْتِرَافِ برسالة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَقْصِدٌ مُهِمٌّ يَتَعَلَّقُ بِتَعْيِينِ الذَّبِيحِ وَلَا فِي تَخْطِئَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي تَعْيِينِهِ، وَأَمَارَةُ ذَلِكَ أَنَّ
الْقُرْآنَ سَمَّى إِسْمَاعِيلَ فِي مَوَاضِعَ غَيْرَ قِصَّةِ الذَّبْحِ وَسَمَّى إِسْحَاقَ فِي مَوَاضِعَ، وَمِنْهَا بِشَارَةُ أُمِّهِ عَلَى لِسَانِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ، وَذَكَرَ اسْمَيْ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُمَا وُهِبَا لَهُ عَلَى الْكِبَرِ وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا فِي قِصَّةِ الذَّبْحِ قَصْدًا لِلْإِبْهَامِ مَعَ عَدَمِ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْفَضْلِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْقِصَّةِ التَّنْوِيهُ بِشَأْنِ إِبْرَاهِيمَ فَأَيُّ وَلَدَيْهِ كَانَ الذَّبِيحَ كَانَ فِي ابْتِلَائِهِ بِذَبْحِهِ وَعَزْمِهِ عَلَيْهِ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُعْجِزَةِ تَنْوِيهٌ عَظِيمٌ بِشَأْنِ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت: ٤٦]
وَقَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ»
. رَوَى الْحَاكِمُ فِي «الْمُسْتَدْرَكِ» عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ أَحَدَ الْأَعْرَابِ قَالَ للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا ابْنَ الذَّبِيحَيْنِ فَتَبَسَّمَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ الذَّبِيحُ وَأَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ أَبُوهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ نَذَرَ: لَئِنْ رَزَقَهُ اللَّهُ بِعَشَرَةِ بَنِينَ أَنْ يَذْبَحَ الْعَاشِرَ لِلْكَعْبَةِ، فَلَمَّا وُلِدَ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ الْعَاشِرُ عَزَمَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَلَى الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ، فَكَلَّمَهُ كَبَرَاءُ أَهْلِ الْبِطَاحِ أَنْ يَعْدِلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute