آلِهَتِكُمْ، فَلَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ إِنْ كَانَ مَجَازًا فَهُوَ فِي الشُّرُوعِ فَقَدْ أُرِيدَ بِهِ الشُّرُوعُ فِي الْكَلَامِ فَكَانَ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرادُ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى آلِهَتِهِمْ لِقَصْدِ تَقْوِيَةِ شَكِّهِمْ فِي صِحَّةِ دَعْوَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهَا شَيْءٌ أَرَادَهُ لِغَرَضٍ أَيْ لَيْسَ صَادِقًا وَلَكِنَّهُ مَصْنُوعٌ مُرَادٌ مِنْهُ مَقْصِدٌ كَمَا يُقَالُ: هَذَا أَمْرٌ دُبِّرَ بِلَيْلٍ، فَالْإِشَارَةُ بِ هَذَا إِلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ دَعْوَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ أَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
وَقَوْلُهُ: مَا سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ مِنْ كَلَامِ الْمَلَأِ. وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرادُ، أَيْ هَذَا القَوْل وَهُوَ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً [ص: ٥] .
وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ أَوْ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرادُ لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ مِثْلِهِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ شَيْءٌ مُصْطَنَعٌ مُبْتَدَعٌ. وَإِعَادَةُ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِقَصْدِ زِيَادَةِ تَمْيِيزِهِ. وَفِي قَوْله: هَذَا تَقْدِيرُ مُضَافٍ، أَيْ بِمِثْلِ هَذَا الَّذِي يَقُولُهُ. وَنَفِيُ السَّمَاعِ هُنَا خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنِ الِاسْتِبْعَادِ وَالِاتِّهَامِ بِالْكَذِبِ.
والْمِلَّةِ: الدِّينُ، قَالَ تَعَالَى: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٢٠] ، وَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [٣٧، ٣٨] .
والْآخِرَةِ: تَأْنِيثُ الْآخِرُ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ تَقَرَّرَتْ فِيهَا أَمْثَالُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ [العنكبوت: ٢٠] .
وَالْمَجْرُورُ مِنْ قَوْلِهِ: فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ بَيَانًا لِلْمَقْصُودِ مِنَ الْإِشَارَةِ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ سَمِعْنا. وَالْمَعْنَى: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا قَبْلَ الْيَوْمِ فَلَا نَعْتَدُّ بِهِ. وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِ الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ دِينَ النَّصَارَى، وَهُوَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَعَلَيْهِ فَالْمُشْرِكُونَ اسْتَشْهَدُوا عَلَى بُطْلَانِ تَوْحِيدِ الْإِلَهِ بِأَنَّ دِينَ النَّصَارَى الَّذِي ظهر قَبْلَ الْإِسْلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute