وَرَوَاهُ غَيْرُ أَبِي دَاوُدَ بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ وَعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ.
وَمَا هِيَ إِلَّا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ تَطَرَّقَتْهُ احْتِمَالَاتٌ.
أَوَّلُهَا: أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ مَرِيضًا مُضْنًى وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مِثْلِهِ.
الثَّانِي: لَعَلَّ الْمَرَضَ قَدْ أَخَلَّ بِعَقْلِهِ إِخْلَالًا أقدمه على الزِّنَا فَكَانَ الْمَرَضُ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ لَا يُنْقَضُ بِهِ التَّوَاتُرُ الْمَعْنَوِيُّ الثَّابِتُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ.
الرَّابِعُ: حَمْلُهُ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِذَلِكَ فِي الْحَدِّ لِلِضَّرُورَةِ كَالْمَرَضِ وَهُوَ غَرِيبٌ لِأَنَّ أَحَادِيث النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْوَالَ السَّلَفِ مُتَضَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ وَالْحَامِلَ يَنْتَظِرَانِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَبْرَأَ، وَلَمْ يَأْمر النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ تُضْرَبَ الْحَامِلُ بِشَمَارِيخَ، فَمَاذَا يُفِيدُ هَذَا الضَّرْبُ الَّذِي لَا يَزْجُرُ مُجْرِمًا، وَلَا يَدْفَعُ مَأْثَمًا، وَفِي «أَحْكَامِ الْجَصَّاصِ» عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ مَا لِلِشَّافِعِيِّ. وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ إِلَّا الْحَدُّ الْمَعْرُوفُ. فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ.
عِلَّةٌ لِجُمْلَةِ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص: ٤٢] وَجُمْلَةُ وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ [ص: ٤٣] ، أَيْ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ بِجَبْرِ حَالِهِ، لِأَنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا عَلَى مَا أَصَابَهُ فَهُوَ قُدْوَةٌ لِلْمَأْمُورِ بِقَوْلِهِ: اصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ [المزمل: ١٠] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ (إِنَّ) مُغْنِيَةً عَنْ فَاءِ التَّفْرِيعِ.
وَمَعْنَى وَجَدْناهُ أَنَّهُ ظَهَرَ فِي صَبْرِهِ مَا كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ مِثْلَ قَوْلِهِ فِي سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:
٣٠] ، فَكَانَ سُلَيْمَانُ أَوَّابًا لِلَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى وَالنَّعِيمِ، وَأَيُّوبُ أَوَّابًا لِلَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الضُّرِّ وَالِاحْتِيَاجِ، وَكَانَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمَا مُتَمَاثِلًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْأَوْبَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الدَّوَاعِي. قَالَ سُفْيَانُ: أَثْنَى اللَّهُ عَلَى عَبْدَيْنِ ابْتُلِيَا: أَحَدُهُمَا صَابِرٌ، وَالْآخِرُ شَاكِرٌ، ثَنَاءً وَاحِدًا. فَقَالَ لِأَيُّوبَ وَلِسُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute