للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْكَافِرُ خَيْرٌ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ، وَالِاسْتِفْهَامُ حَقِيقِيٌّ وَالْمَقْصُودُ لَازِمُهُ، وَهُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى الْخَطَأِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ (أَمْ) مُنْقَطِعَةً لِمُجَرَّدِ الْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ. و (أَمْ) تَقْتَضِي اسْتِفْهَامًا مُقَدَّرًا بَعْدَهَا. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: دَعْ تَهْدِيدَهُمْ بِعَذَابِ النَّارِ وَانْتَقِلْ بِهِمْ إِلَى هَذَا

السُّؤَالِ: الَّذِي هُوَ قَانِتٌ، وَقَائِمٌ، وَيَحْذَرُ اللَّهَ وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ. وَالْمَعْنَى: أَذَلِكَ الْإِنْسَانُ الَّذِي جَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا هُوَ قَانِتٌ إِلَخْ، وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهَكُّمِ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا تَتَلَاقَى تِلْكَ الصِّفَاتُ الْأَرْبَعُ مَعَ صِفَةِ جَعْلِهِ لِلَّهِ أَنْدَادًا.

وَالْقَانِتُ: الْعَابِدُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فِي سُورَةِ [الْبَقَرَةِ:

٢٣٨] .

وَالْآنَاءُ: جَمْعُ أَنًى مِثْلُ أَمْعَاءٍ وَمَعًى، وَأَقْفَاءٍ وَقَفًى، وَالْأَنَى: السَّاعَةُ، وَيُقَالُ أَيْضًا:

إِنَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ فِي سُورَةِ [الْأَحْزَابِ: ٥٣] .

وَانْتَصَبَ آناءَ عَلَى الظَّرْفِ لِ قانِتٌ، وَتَخْصِيصُ اللَّيْلِ بِقُنُوتِهِمْ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ بِاللَّيْلِ أَعْوَنُ عَلَى تَمَحُّضِ الْقَلْبِ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَأَبْعَدُ عَنْ مُدَاخَلَةِ الرِّيَاءِ وَأَدَلُّ عَلَى إِيثَارِ عِبَادَةِ اللَّهِ عَلَى حَظِّ النَّفْسِ مِنَ الرَّاحَةِ وَالنَّوْمِ، فَإِنَّ اللَّيْلَ أَدْعَى إِلَى طَلَبِ الرَّاحَةِ فَإِذَا آثَرَ الْمَرْءُ الْعِبَادَةَ فِيهِ اسْتَنَارَ قَلْبُهُ بِحُبِّ التَّقَرُّبِ إِلَى الله قَالَ تَعَالَى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل: ٦] ، فَلَا جَرَمَ كَانَ تَخْصِيصُ اللَّيْلِ بِالذِّكْرِ دَالًّا عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَانِتَ لَا يَخْلُوَ مِنَ السُّجُودِ وَالْقِيَامِ أَنَاءَ النَّهَارِ بِدَلَالَةِ فَحْوَى الْخِطَابِ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً [المزمل: ٧] ، وَبِذَلِكَ يَتِمُّ انْطِبَاقُ هَذِهِ الصِّلَةِ عَلَى حَالِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَوْلُهُ: ساجِداً وَقائِماً حَالَانِ مُبَيِّنَانِ لِ قانِتٌ وَمُؤَكِّدَانِ لِمَعْنَاهُ. وَجُمْلَةُ يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ حَالَانِ، فَالْحَالُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي لِوَصْفِ عَمَلِهِ الظَّاهِرِ وَالْجُمْلَتَانِ اللَّتَانِ هُمَا ثَالِثٌ وَرَابِعٌ لِوَصْفِ عَمَلِ قَلْبِهِ وَهُوَ أَنَّهُ بَيْنَ الْخَوْفِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ وَفَلَتَاتِهِ وَبَيْنَ الرَّجَاءِ لِرَحْمَةِ رَبِّهِ أَنْ يُثِيبَهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ. وَفِي هَذَا تَمَامُ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ الْجَارِيَةِ عَلَى وفْق حَال نبيئهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَال