أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ لَا يَدْعُونَ اللَّهَ إِلَّا فِي نَادِرِ الْأَوْقَاتِ، وَهِيَ أَوْقَاتُ الِاضْطِرَارِ، ثُمَّ يُشْرِكُونَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا اهْتِمَامَ لَهُمْ إِلَّا بِعَاجِلِ الدُّنْيَا لَا يَحْذَرُونَ الْآخِرَةَ وَلَا يَرْجُونَ ثَوَابَهَا.
وَالرَّجَاءُ وَالْخَوْف مِنْ مَقَامَاتِ السَّالِكِينَ، أَيْ أَوْصَافِهِمُ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا تَتَحَوَّلُ.
وَالرَّجَاءُ: انْتِظَارُ مَا فِيهِ نَعِيمٌ وَمُلَاءَمَةٌ لِلنَّفْسِ. وَالْخَوْفُ: انْتِظَارُ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ لِلنَّفْسِ.
وَالْمُرَادُ هُنَا: الْمُلَاءَمَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ لِقَوْلِهِ: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ، أَيْ يَحْذَرُ عِقَابَ الْآخِرَةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الرَّجَاءَ أَيْضًا الْمَأْمُولَ فِي الْآخِرَةِ. وَلِلْخَوْفِ مَزِيَّتُهُ مِنْ زَجْرِ النَّفْسِ عَمَّا لَا يُرْضِي اللَّهَ، وَلِلرَّجَاءِ مَزِيَّتُهُ مِنْ حَثِّهَا عَلَى مَا يُرْضِي اللَّهَ وَكِلَاهُمَا أَنِيسُ السَّالِكِينَ.
وَإِنَّمَا يَنْشَأُ الرَّجَاءُ عَلَى وُجُودِ أَسْبَابِهِ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَرْجُو إِلَّا مَا يَظُنُّهُ حَاصِلًا وَلَا يَظُنُّ
الْمَرْءُ أَمْرًا إِلَّا إِذَا لَاحَتْ لَهُ دَلَائِلُهُ وَلَوَازِمُهُ، لِأَنَّ الظَّنَّ لَيْسَ بِمُغَالَطَةٍ وَالْمَرْءُ لَا يُغَالِطُ نَفْسَهُ، فَالرَّجَاءُ يَتْبَعُ السَّعْيَ لِتَحْصِيلِ الْمَرْجُوِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الْإِسْرَاء: ١٩] فَإِنَّ تَرَقُّبَ الْمَرْءِ الْمَنْفَعَةَ مِنْ غَيْرِ أَسْبَابِهَا فَذَلِكَ التَّرَقُّبُ يُسَمَّى غُرُورًا.
وَإِنَّمَا يَكُونُ الرَّجَاءُ أَوِ الْخَوْفُ ظَنًّا مَعَ تَرَدُّدٍ فِي الْمَظْنُونِ، أَمَّا الْمَقْطُوعُ بِهِ فَهُوَ الْيَقِينُ وَالْيَأْسُ وَكِلَاهُمَا مَذْمُومٌ قَالَ تَعَالَى: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ [الْأَعْرَاف:
٩٩] ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ [يُوسُف: ٨٧] .
وَقَدْ بَسَطَ ذَلِكَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ أَبُو حَامِدٍ فِي كِتَابِ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ مِنْ كِتَابِ «الْإِحْيَاءِ» . وَلِلَّهِ دَرُّ أَبِي الْحَسَنِ التِّهَامِيِّ إِذْ يَقُولُ:
وَإِذَا رَجَوْتَ الْمُسْتَحِيلَ فَإِنَّمَا ... تَبْنِي الرَّجَاءَ عَلَى شَفِيرٍ هَارِ
وَسُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ يَتَمَادَى فِي الْمَعَاصِي وَيَرْجُو فَقَالَ: هَذَا تَمَنٍّ وَإِنَّمَا الرَّجَاءُ، قَوْلُهُ: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسّرين أُرِيد بِمن هُوَ قانِتٌ أَبُو بَكْرٍ، وَقِيلَ عَمَّارُ بْنُ