للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالنُّورُ: مُسْتَعَارٌ لِلْهُدَى وَوُضُوحِ الْحَقِّ لِأَنَّ النُّورَ بِهِ تَنْجَلِي الْأَشْيَاءُ وَيَخْرُجُ الْمُبْصِرُ مِنْ غَيَاهِبِ الضَّلَالَةِ وَتَرَدُّدِ اللَّبْسِ بَيْنَ الْحَقَائِقِ وَالْأَشْبَاحِ.

وَاسْتُعِيرَتْ عَلى اسْتِعَارَةٍ تَبَعِيَّةٍ أَوْ تَمْثِيلِيَّةٍ لِلتَّمَكُّنِ مِنَ النُّورِ كَمَا اسْتُعِيرَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُقَرَّرَيْنِ هُنَالِكَ. ومِنْ رَبِّهِ نعت ل- نُورٍ ومِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ نُورٌ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ نُورٌ كَامِلٌ لَا تُخَالِطُهُ ظَلَمَةٌ، وَهُوَ النُّورُ الَّذِي أُضِيفَ إِلَى اسْمِ اللَّهِ فِي قَوْله تَعَالَى: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ فِي سُورَةِ النُّورِ [٣٥] .

فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فُرِّعَ عَلَى وَصْفِ حَالِ مَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ، مَا يَدُلُّ عَلَى حَالِ ضِدِّهِ وَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَشْرَحِ اللَّهُ صُدُورَهُمْ لِلْإِسْلَامِ فَكَانَتْ لِقُلُوبِهِمْ قَسَاوَةٌ فُطِرُوا عَلَيْهَا فَلَا تَسْلُكُ دَعْوَةُ الْخَيْرِ إِلَى قُلُوبِهِمْ. وَأُجْمِلَ سُوءُ حَالِهِمْ بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ كلمة فَوَيْلٌ مِنْ بُلُوغِهِمْ أَقْصَى غَايَاتِ الشقاوة والتعاسة، وَقد تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ مَعَانِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ فِي سُورَةِ [الْبَقَرَةِ: ٧٩] .

وَالْقَاسِي: الْمُتَّصِفُ بِالْقَسَاوَةِ فِي الْحَالِ، وَحَقِيقَةُ الْقَسَاوَةِ: الْغِلَظُ وَالصَّلَابَةُ فِي الْأَجْسَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [الْبَقَرَة: ٧٤] .

وقسوة الْقَلْبِ: مُسْتَعَارَةٌ لِقِلَّةِ تَأَثُّرِ الْعَقْلِ بِمَا يُسْدَى إِلَى صَاحِبِهِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَنَحْوِهَا، وَيُقَابِلُ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةَ اسْتِعَارَةُ اللِّينِ لِسُرْعَةِ التَّأَثُّرِ بِالنَّصَائِحِ وَنَحْوِهَا، كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ [الزمر: ٢٣] .

ومِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى (عَنْ) بِتَضْمِينِ الْقاسِيَةِ مَعْنَى الْمُعْرِضَةِ وَالنَّافِرَةِ، وَقَدْ عُدَّ مُرَادِفُ مَعْنَى (عَنْ) مِنْ مَعَانِي مِنْ، وَاسْتُشْهِدَ لَهُ فِي «مُغْنِي اللَّبِيبُ» بِهَذِهِ الْآيَةِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا [ق: ٢٢] ، وَفِيهِ نظر، لِإِمْكَان حملهما عَلَى مَعْنَيَيْنِ شَائِعَيْنِ مِنْ مَعَانِي مِنْ وَهُمَا مَعْنَى التَّعْلِيلِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى كَقَوْلِهِمْ: سَقَاهُمْ مِنَ الْغَيْمَةِ، أَيْ لِأَجْلِ