للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْإِكْثَارَ هُنَا مِنْ أَعْمَالٍ تَتَحَمَّلُهَا النَّفْسُ وَتَثْقُلُ بِهَا وَذَلِكَ مُتَعَارَفٌ فِي التَّبِعَاتِ وَالْعُدْوَانِ تَقُولُ: أَكْثَرْتُ عَلَى فُلَانٍ، فَمَعْنَى أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ: أَنَّهُمْ جَلَبُوا لِأَنْفُسِهِمْ مَا تُثْقِلُهُمْ تَبِعَتُهُ لِيَشْمَلَ مَا اقْتَرَفُوهُ مِنْ شِرْكٍ وَسَيِّئَاتٍ.

وَالْقُنُوطُ: الْيَأْسُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [٥٥] .

وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً تعلليل لِلنَّهْيِ عَنِ الْيَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.

وَمَادَّةُ الْغَفْرِ تَرْجِعُ إِلَى السَّتْرِ، وَهُوَ يَقْتَضِي وُجُودَ الْمَسْتُورِ وَاحْتِيَاجَهُ لِلسَّتْرِ فَدَلَّ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ عَلَى أَنَّ الذُّنُوبَ ثَابِتَةٌ، أَيِ الْمُؤَاخَذَةُ بِهَا ثَابِتَةٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُهَا، أَيْ يُزِيلُ الْمُؤَاخَذَةَ بِهَا، وَهَذِهِ الْمَغْفِرَةُ تَقْتَضِي أَسْبَابًا أُجْمِلَتْ هُنَا وَفُصِّلَتْ فِي دَلَائِلَ أُخْرَى مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى [طه: ٨٢] ، وَتِلْكَ الدَّلَائِلُ يَجْمَعُهَا أَنَّ لِلْغُفْرَانِ أَسْبَابًا تَطْرَأُ عَلَى الْمُذْنِبِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتِ الْمُؤَاخَذَةُ بِالذُّنُوبِ عَبَثًا يُنَزَّهُ عَنْهُ الْحَكِيمُ تَعَالَى، كَيْفَ وَقَدْ سَمَّاهَا ذُنُوبًا وَتَوَعَّدَ عَلَيْهَا فَكَانَ قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ دَعْوَةً إِلَى تَطَلُّبِ أَسْبَابِ هَذِهِ الْمَغْفِرَةِ فَإِذَا طَلَبَهَا الْمُذْنِبُ عَرَفَ تَفْصِيلَهَا. وجَمِيعاً حَالٌ مِنَ الذُّنُوبَ، أَيْ حَالُ جَمِيعِهَا، أَيْ عُمُومُهَا، فَيَغْفِرُ كُلَّ ذَنْبٍ مِنْهَا إِنْ حَصَلَتْ مِنَ الْمُذْنِبِ أَسْبَابُ ذَلِكَ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى كَلِمَةِ (جَمِيعٍ) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٦٧] .

وَجُمْلَةُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً أَيْ لَا يُعْجِزُهُ أَنْ يَغْفِرَ جَمِيعَ الذُّنُوبِ مَا بَلَغَ جَمِيعُهَا مِنَ الْكَثْرَةِ لِأَنَّهُ شَدِيدُ الْغُفْرَانِ شَدِيدُ الرَّحْمَةِ. فَبَطَلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ الْمُرْجِئَةِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَان شَيْء.