تَعْيِينِ الْيَوْمِ الْأَفْضَلِ مِنَ الْأُسْبُوعِ، وَأَنَّ اللَّهَ هَدَى إِلَيْهِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَهَذَا الْيَوْمُ (أَيِ الْجُمُعَةُ) هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ إِلَيْهِ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ»
. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ بَعْدَ تَمَامِ خَلْقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ خَلْقِهِ هُوَ الْيَوْمَ السَّابِعَ. وَقَدْ
رَوَى مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ اللَّهَ ابْتَدَأَ الْخَلْقَ يَوْمَ السَّبْتِ»
. وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ حَدَّثَ بِهِ أَبَا هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِ رُوَاةِ سَنَدِهِ فَظَنَّهُ مَرْفُوعًا.
وَلِهَذِهِ تَفْصِيلَاتٌ لَيْسَ وَرَاءَهَا طَائِلٌ وَإِنَّمَا ألممنا بهَا هُنَا لِئَلَّا يَعْرُوَ التَّفْسِيرُ عَنْهَا فَيَقَعَ مَنْ يَرَاهَا فِي غَيْرِهِ فِي حَيْرَةٍ وَإِنَّمَا مَقْصِدُ الْقُرْآنِ الْعِبْرَةُ.
وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً.
وَأَوْحى عَطْفٌ عَلَى فَقَضاهُنَّ.
وَالْوَحْيُ: الْكَلَامُ الْخَفِيُّ، وَيُطْلَقُ الْوَحْيُ عَلَى حُصُولِ الْمَعْرِفَةِ فِي نَفْسِ مَنْ يُرَادُ حُصُولُهَا عِنْدَهُ دُونَ قَوْلٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ زَكَرِيَّاءَ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ [مَرْيَم: ١١] أَيْ أَوْمَأَ إِلَيْهِم بِمَا يدل عَلَى مَعْنَى: سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا. وَقَول أبي دؤاد:
يَرْمُونَ بِالْخُطَبِ الطُّوَالِ وَتَارَةً ... وَحْيَ الْمَلَاحِظِ خِيفَةَ الرُّقَبَاءِ
ثُمَّ يُتَوَسَّعُ فِيهِ فَيُطْلَقُ عَلَى إِلْهَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَخْلُوقَاتِ لِمَا تَتَطَلَّبُهُ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُهَا كَقَوْلِهِ: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً [النَّحْل: ٦٨] أَيْ جَبَلِهَا عَلَى إِدْرَاكِ ذَلِكَ وَتَطَلُّبِهِ، وَيُطْلَقُ عَلَى تَسْخِيرِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ لِقَبُولِ أَثَرِ قُدْرَتِهِ كَقَوْلِهِ: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها [الزلزلة: ١] إِلَى قَوْلِهِ: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [الزلزلة: ٥] .
وَالْوَحْيُ فِي السَّمَاءِ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْمَعَانِي مِنِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازَاتِهِ، فَهُوَ أَوْحَى فِي السَّمَاوَاتِ بِتَقَادِيرِ نُظُمِ جَاذِبِيَّتِهَا، وَتَقَادِيرِ سَيْرِ