للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَوَاكِبِهَا، وَأَوْحَى فِيهَا بِخَلْقِ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا، وَأَوْحَى إِلَى الْمَلَائِكَةِ بِمَا يَتَلَقَّوْنَهُ مِنَ الْأَمْرِ بِمَا يَعْمَلُونَ، قَالَ تَعَالَى: وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الْأَنْبِيَاء: ٢٧] وَقَالَ: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ [الْأَنْبِيَاء: ٢٠] .

وأَمْرَها بِمَعْنَى شَأْنِهَا، وَهُوَ يَصْدُقُ بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ مُلَابَسَاتِهَا مِنْ سُكَّانِهَا وَكَوَاكِبِهَا وَتَمَاسُكِ جِرْمِهَا وَالْجَاذِبِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا يُجَاوِرُهَا. وَذَلِكَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ فِي خَلْقِ الْأَرْضِ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها [فصلت: ١٠] . وَانْتَصَبَ أَمْرَها عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ بِأَمْرِهَا أَوْ عَلَى تَضْمِينِ أَوْحَى مَعْنَى قَدَّرَ أَوْ أَوْدَعَ.

وَوَقَعَ الِالْتِفَاتُ مِنْ طَرِيقِ الْغَيْبَةِ إِلَى طَرِيقِ التَّكَلُّمِ فِي قَوْلِهِ: وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ تَجْدِيدًا لِنَشَاطِ السَّامِعِينَ لِطُولِ اسْتِعْمَالِ طَرِيقِ الْغَيْبَةِ ابْتِدَاءً من قَوْله: بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت: ٩] مَعَ إِظْهَارِ الْعِنَايَةِ بِتَخْصِيصِ هَذَا الصُّنْعِ الَّذِي يَنْفَعُ النَّاسَ دِينًا وَدُنْيَا وَهُوَ خَلْقُ النُّجُومِ الدَّقِيقَةِ وَالشُّهُبِ بِتَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ عُمُومِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها، فَمَا السَّمَاءُ الدُّنْيَا إِلَّا مِنْ جُمْلَةِ السَّمَاوَاتِ، وَمَا النُّجُومُ وَالشُّهُبُ إِلَّا مِنْ جُمْلَةِ أَمْرِهَا.

وَالْمَصَابِيحُ: جَمْعُ مِصْبَاحٍ، وَهُوَ مَا يُوقَدُ بِالنَّارِ فِي الزَّيْتِ لِلْإِضَاءَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الصَّبَاحِ لِأَنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَجْعَلُوهُ خَلَفًا عَنِ الصَّبَاحِ. وَالْمُرَادُ بِالْمَصَابِيحِ: النُّجُومُ، اسْتُعِيرَ لَهَا الْمَصَابِيحُ لِمَا يَبْدُو مِنْ نُورِهَا.

وَانْتَصَبَ حِفْظاً عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ زَيَّنَّا.

وَالتَّقْدِيرُ: وَجَعَلْنَاهَا حِفْظًا. وَالْمُرَادُ: حِفْظًا لِلسَّمَاءِ مِنَ الشَّيَاطِينِ الْمُسْتَرِقَةِ لِلسَّمْعِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِهِ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ.

ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَذْكُورِ مِنْ قَوْلِهِ: وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها [فصلت: ١٠] إِلَى قَوْلِهِ: وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً.