للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ، أَيْ عُمُومُ تَأْثِيرِهَا وَتَعَلُّقِهَا بِالْمُمْكِنَاتِ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ لَا يَسْتَعْصِي عَلَى تَعَلُّقِ قُدْرَتِهِ شَيْءٌ مُمْكِنٌ، وَكَمَالُ غِنَاهُ عَنِ التَّأَثُّرِ لِلْغَيْرِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [٥٢] .

وَجُمْلَةُ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ، وَالْوَاوُ فِيهَا اعْتِرَاضِيَّةٌ.

وَقَوْلُهُ: وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ مُعْجِزَاتُ رَسُولِهِمْ هُودٍ فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا وَأَصَرُّوا عَلَى الْعِنَادِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقُرْآنُ لِهُودٍ آيَاتٍ سِوَى أَنَّهُ أَنْذَرَهُمْ عَذَابًا يَأْتِيهِمْ مِنَ السَّمَاءِ، قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ [الْأَحْقَاف: ٢٤] فَذَلِكَ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِأَوَائِلِ الْآيَاتِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ دَلَائِلُ الْوَحْدَانِيَّةِ الَّتِي فِي دَعْوَةِ رَسُولِهِمْ وَتَذْكِيرُهُمْ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً [الْأَعْرَاف: ٦٩] ، وَقَوْلِهِ: وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الشُّعَرَاء: ١٣٢، ١٣٤] .

وَدَلَّ فِعْلُ كانُوا عَلَى أَنَّ التَّكْذِيبَ بِالْآيَاتِ مُتَأَصِّلٌ فِيهِمْ. وَدَلَّتْ صِيغَةُ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: يَجْحَدُونَ أَنَّ الْجَحْدَ مُتَكَرِّرٌ فِيهِمْ مُتَجَدِّدٌ. وَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ وَصْفَ عِقَابِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رِيحًا فَأَشَارَتِ الْفَاءُ إِلَى أَنَّ عِقَابَهُمْ كَانَ مُسَبَّبًا عَلَى حَالَةِ كُفْرِهِمْ بِصِفَتِهَا فَإِنَّ بَاعِثَ كُفْرِهِمْ كَانَ اغْتِرَارَهُمْ بِقُوَّتِهِمْ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِمَا لَا يَتَرَقَّبُ النَّاسُ الْهَلَاكَ بِهِ فَإِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ لِلشَّيْءِ الَّذِي لَا يُؤْبَهُ بِهِ: هُوَ رِيحٌ، لِيُرِيَهُمْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْقُوَّةِ وَأَنَّهُ يَضَعُ الْقُوَّةَ فِي الشَّيْءِ الْهَيِّنِ مِثْلِ الرِّيحِ لِيَكُونَ عَذَابًا وَخِزْيًا، أَيْ تَحْقِيرًا كَمَا قَالَ: لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَأَيُّ خِزْيٍ أَشَدُّ مِنْ أَنْ تَتَرَامَاهُمُ الرِّيحُ فِي الْجَوِّ كَالرِّيشِ، وَأَنْ تُلْقِيَهُمْ هَلْكَى عَلَى التُّرَابِ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ فَيُشَاهِدُهُمُ الْمَارُّونَ