للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِدِيَارِهِمْ جُثَثًا صَرْعَى قَدْ

تَقَلَّصَتْ جُلُودُهُمْ وَبَلِيَتْ أَجْسَامُهُمْ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٌ.

وَالرِّيحُ: تَمَوُّجٌ فِي الْهَوَاءِ يَحْدُثُ مِنْ تَعَاكُسِ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ، وَتَنْتَقِلُ مَوْجَاتُهُ كَمَا تَنْتَقِلُ أَمْوَاجُ الْبَحْرِ وَالرِّيحُ الَّذِي أَصَابَ عَادًا هُوَ الرِّيحُ الدَّبُورُ، وَهُوَ الَّذِي يَهُبُّ مِنْ جِهَةِ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، سُمِّيَتْ دَبُورًا بِفَتْحِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ لِأَنَّهَا تَهُبُّ مِنْ جِهَةِ دُبُرِ الْكَعْبَةِ

قَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ»

. وَإِنَّمَا كَانَتِ الرِّيحُ الَّتِي أَصَابَتْ عَادًا بِهَذِهِ الْقُوَّةِ بِسَبَبِ قُوَّةِ انْضِغَاطٍ فِي الْهَوَاءِ غَيْرِ مُعْتَادٍ فَإِنَّ الِانْضِغَاطَ يُصَيِّرُ الشَّيْءَ الضَّعِيفَ قَوِيًّا، كَمَا شُوهِدَ فِي عَصْرِنَا أَنَّ الْأَجْسَامَ الدَّقِيقَةَ مِنْ أَجْزَاءٍ كِيمْيَاوِيَّةٍ تُسَمَّى الذَّرَّةَ تَصِيرُ بِالِانْضِغَاطِ قَادِرَةً عَلَى نَسْفِ مَدِينَةٍ كَامِلَةٍ، وَتُسَمَّى الطَّاقَةَ الذَّرِّيَّةَ، وَقَدْ نُسِفَ بِهَا جُزْءٌ عَظِيمٌ مِنْ بِلَادِ الْيَابَانِ فِي الْحَرْبِ الْعَامَّةِ.

وَالصَّرْصَرُ: الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ الَّتِي يَكُونُ لَهَا صَرْصَرَةٌ، أَيْ دَوِيٌّ فِي هُبُوبِهَا مِنْ شِدَّةِ سُرْعَةِ تَنَقُّلِهَا. وَتَضْعِيفُ عَيْنِهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي شِدَّتِهَا بَيْنَ أَفْرَادِ نَوْعِهَا كَتَضْعِيفِ كُبْكِبَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي كَبَّ. وَأَصْلُهُ صَرَّ، أَيْ صَاحَ، وَهُوَ وَصْفٌ لَا يُؤَنَّثُ لَفْظُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي إِلَّا عَلَى الرِّيحِ وَهِيَ مُقَدَّرَةُ التَّأْنِيثِ.

وَالنَّحِسَاتُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْحَاءِ: جَمْعُ نَحِسٍ بِدُونِ تَأْنِيثٍ لِأَنَّهُ مصدر أَو اسْم مَصْدَرٌ لِفِعْلِ نَحِسَ كَعَلِمَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ [الْقَمَر: ١٩] .

وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِسِكُونِ الْحَاءِ. وَيَجُوزُ كَسْرُ الْحَاءِ وَبِهِ قَرَأَ الْبَقِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ (نَحْسٍ) إِذَا أَصَابَهُ النَّحْسُ إِصَابَةَ سُوءٍ أَوْ ضُرٍّ شَدِيدٍ. وَضِدُّهُ الْبَخْتُ فِي أَوْهَامِ الْعَامَّةِ، وَلَا حَقِيقَةَ لِلنَّحْسِ وَلَا لِلْبَخْتِ وَلَكِنَّهُمَا عَارِضَانِ لِلْإِنْسَانِ، فَالنَّحْسُ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ مزاجه أَوْ مِنْ تَفْرِيطِهِ أَوْ مِنْ فَسَادِ بِيئَتِهِ أَوْ قَوْمِهِ، وَالْبَخْتُ يَعْرِضُ مِنْ جَرَّاءِ عَكْسِ ذَلِكَ. وَبَعْضُ النَّوْعَيْنِ أُمُورٌ اتِّفَاقِيَّةٌ وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهَا جَزَاءً مِنَ اللَّهِ عَلَى عَمَلِ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ مِنْ عِبَادِهِ أَوْ فِي دِينِهِ