وَيَنْسَى مَا عَسَى أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ مِنَ الضُّرِّ
فَلَا يَسْتَعِدُّ لِدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِسُؤَالِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْهُ وَيُعِيذَهُ مِنْهُ. فَأَمَّا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْأَمُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي، فَأَطْلَقَ عَلَى الِاكْتِفَاءِ وَالِاقْتِنَاعِ السَّآمَةَ، وَهِيَ الْمَلَلُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ بِتَشْبِيهِ اسْتِرْسَالِ الْإِنْسَانِ فِي طَلَبِ الْخَيْرِ عَلَى الدَّوَامِ بِالْعَمَلِ الدَّائِمِ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يَسْأَمَ مِنْهُ عَامِلُهُ فَنَفْيُ السَّآمَةِ عَنْهُ رَمْزٌ لِلِاسْتِعَارَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مَنْ ذَهَبٍ لَأَحَبَّ لَهُمَا ثَالِثًا، وَلَوْ أَنَّ لَهُ ثَلَاثَةً لَأَحَبَّ لَهُمَا رَابِعًا، وَلَا يَمْلَأُ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ»
، وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات: ٨] .
وَالدُّعَاءُ: أَصْلُهُ الطَّلَبُ بِالْقَوْلِ، وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي الطَّلَبِ مُطْلَقًا فَتَكُونُ إِضَافَتُهُ إِلَى الْخَيْرِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَا فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ، أَيِ الدُّعَاءُ بِالْخَيْرِ أَوْ طَلَبُ الْخَيْرِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ اسْتِعَارَةً مَكْنِيَّةً، شَبَّهَ الْخَيْرَ بِعَاقِلٍ يَسْأَلُهُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِ، فَإِضَافَةُ الدُّعَاءِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ.
وَأَمَّا أَن الْإِنْسَان يؤوس قُنُوطٌ إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَذَلِكَ مِنْ خُلُقِ قِلَّةِ صَبْرِ الْإِنْسَانِ عَلَى مَا يُتْعِبُهُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ فَيَضْجَرُ إِنْ لَحِقَهُ شَرٌّ وَلَا يُوَازِي بَيْنَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ فَيَقُولُ: لَئِنْ مَسَّنِيَ الشَّرُّ زَمَنًا لَقَدْ حَلَّ بِيَ الْخَيْرُ أَزْمَانًا، فَمِنَ الْحَقِّ أَنْ أَتَحَمَّلَ مَا أَصَابَنِي كَمَا نَعِمْتُ بِمَا كَانَ لِي مِنْ خَيْرٍ، ثُمَّ لَا يَنْتَظِرُ إِلَى حِينِ انْفِرَاجِ الشَّرِّ عَنْهُ وَيَنْسَى الْإِقْبَالَ عَلَى سُؤَالِ اللَّهِ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُ الضُّرَّ بَلْ يَيْأَسُ وَيَقْنَطُ غَضَبًا وَكِبْرًا وَلَا يَنْتَظِرُ مُعَاوَدَةَ الْخَيْرِ ظَاهِرًا عَلَيْهِ أَثَرُ الْيَأْسِ بِانْكِسَارٍ وَحُزْنٍ. وَالْيَأْسُ فِعْلٌ قَلْبِيٌّ هُوَ: اعْتِقَاد عدم حُصُوله الميئوس مِنْهُ.
وَالْقُنُوطُ: انْفِعَالٌ يُدْنِي مِنْ أَثَرِ الْيَأْسِ وَهُوَ انْكِسَارٌ وَتَضَاؤُلٌ. وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا أَنَّهُ ذُو دُعَاءٍ لِلَّهِ كَمَا ذَكَرَ فِي قَوْلِهِ الْآتِي: وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ [فصلت: ٥١] . لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَهْلُ الشِّرْكِ وَهُمْ إِنَّمَا يَنْصَرِفُونَ إِلَى أَصْنَامِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute