للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ جَاءَتْ تَرْبِيَةُ الشَّرِيعَةِ لِلْأُمَّةِ عَلَى ذَمِّ الْقُنُوطِ، قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الْحجر: ٥٦] ،

وَفِي الْحَدِيثِ «انْتِظَارُ الْفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ عِبَادَةٌ»

. فَالْآيَةُ وَصَفَتْ خُلُقَيْنِ ذَمِيمَيْنِ: أَحَدُهُمَا خُلُقُ الْبَطَرِ بِالنِّعْمَةِ وَالْغَفْلَةِ عَنْ شُكْرِ اللَّهِ عَلَيْهَا. وَثَانِيهِمَا الْيَأْسُ مِنْ رُجُوعِ النِّعْمَةِ عِنْدَ فَقْدِهَا. وَفِي نَظْمِ الْآيَةِ لَطَائِفُ مِنَ الْبَلَاغَةِ:

الْأُولَى: التَّعْبِيرُ عَنْ دَوَامِ طَلَبِ النِّعْمَةِ بِعَدَمِ السَّآمَةِ كَمَا عَلِمْتَهُ.

الثَّانِيَةُ: التَّعْبِيرُ عَنْ مَحَبَّةِ الْخَيْرِ بِدُعَاءِ الْخَيْرِ.

الثَّالِثَةُ: التَّعْبِيرُ عَنْ إِضَافَةِ الضُّرِّ بِالْمَسِّ الَّذِي هُوَ أَضْعَف إحساس الْإِصَابَة قَالَ تَعَالَى: لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ [الزمر: ٦١] .

الرَّابِعَةُ: اقْتِرَانُ شَرْطِ مَسِّ الشَّرِّ بِ إِنْ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَدْخُلَ عَلَى النَّادِرِ وُقُوعُهُ فَإِنَّ إِصَابَةَ الشَّرِّ الْإِنْسَانَ نَادِرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا هُوَ مَغْمُورٌ بِهِ مِنَ النِّعَمِ.

الْخَامِسَةُ: صِيغَةُ الْمُبَالغَة فِي فَيَؤُسٌ.

السّادسة: إتباع يؤس بِ قَنُوطٌ الَّذِي هُوَ تَجَاوُزُ إِحْسَاسِ الْيَأْسِ إِلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ بِالِانْكِسَارِ، وَهُوَ مِنْ شِدَّةِ يَأْسِهِ، فَحَصَلَتْ مُبَالَغَتَانِ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ يَأْسِهِ بِأَنَّهُ اعْتِقَادٌ فِي ضَمِيرِهِ وَانْفِعَالٌ فِي سَحَنَاتِهِ. فَالْمُشْرِكُ يَتَأَصَّلُ فِيهِ هَذَا الْخُلُقُ وَيَتَزَايَدُ بِاسْتِمْرَارِ الزَّمَانِ.

وَالْمُؤْمِنُ لَا تَزَالُ تَرْبِيَةُ الْإِيمَانِ تَكُفُّهُ عَنْ هَذَا الْخُلُقِ حَتَّى يَزُولَ مِنْهُ أَوْ يَكَادَ.

ثُمَّ بَيَّنَتِ الْآيَةُ خُلُقًا آخَرَ فِي الْإِنْسَانِ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا زَالَ عَنْهُ كَرْبُهُ وَعَادَتْ إِلَيْهِ النِّعْمَةُ نَسِيَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِي لُطْفِ اللَّهِ بِهِ فَبَطِرَ النِّعْمَةَ، وَقَالَ: قَدِ اسْتَرْجَعْتُ خَيْرَاتِي بِحِيلَتِي وَتَدْبِيرِي، وَهَذَا الْخَيْرُ حَقٌّ لِي حَصُلْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَهُمُ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ تَرَاهُ إِذَا سَمِعَ إنذار النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ أَوْ هَجَسَ فِي نَفْسِهِ هَاجِسُ عَاقِبَةِ هَذِهِ الْحَيَاةِ قَالَ لِمَنْ يَدْعُوهُ إِلَى الْعَمَلِ لِيَوْمِ