وَانْتَصَبَ أُمَّ الْقُرى عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِفِعْلِ تُنْذِرَ بِتَنْزِيلِ الْفِعْلِ مَنْزِلَةَ الْمُعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ إِذْ لَمْ يُذْكَرْ مَعَهُ الْمُنْذَرَ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِفِعْلِ الْإِنْذَارِ. لِأَنَّ (أَنْذَرَ) يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً [فصلت: ١٣] ،
وَفِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ: «مَا مِنْ نَبِيءٍ إِلَّا أَنْذَرَ قَوْمَهُ»
. فَالْمَعْنَى: لِتُنْذِرَ أَهْلَ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا مَا يُنْذَرُونَهُ مِنَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَقَوْلُهُ: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ أُعِيدَ فِعْلُ تُنْذِرَ لِزِيَادَةِ تَهْوِيلِ أَمْرِ يَوْمِ الْجَمْعِ لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ بِالذِّكْرِ بَعْدَ عُمُومِ الْإِنْذَارِ يَقْتَضِي تَهْوِيلَهُ، وَلِأَنَّ تَعْدِيَةَ فِعْلِ وَتُنْذِرَ إِلَى يَوْمَ الْجَمْعِ تَعْدِيَةُ مُخَالَفَةٍ لِإِنْذَارِ أُمِّ الْقُرَى لِأَنَّ يَوْمَ الْجَمْعِ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِفِعْلِ وَتُنْذِرَ، أَيْ وَتُنْذِرَ النَّاسَ يَوْمَ الْجمع، فمفعول وَتُنْذِرَ الثَّانِي هُوَ الْمُنْذَرُ بِهِ وَمَفْعُولُ لِتُنْذِرَ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُنْذَرُ.
وَانْتَصَبَ يَوْمَ الْجَمْعِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِفِعْلِ تُنْذِرَ وَحُذِفَ مَفْعُولُهُ الْأَوَّلُ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، أَيْ وَتُنْذِرَهُمْ، أَيْ أَهْلَ أُمِّ الْقُرَى يَوْمَ الْجَمْعِ بِالْخُصُوصِ كَقَوْلِهِ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ [غَافِر: ١٨] .
وَيَوْم الْجَمْعِ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ، سُمِّيَ يَوْمَ الْجَمْعِ لِأَنَّ الْخَلَائِقَ تُجْمَعُ فِيهِ لِلْحِسَابِ، قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ [التغابن: ٩] .
وَالْجمع مَصْدَرٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِلْمُجْتَمِعِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ [ص: ٥٩] ، أَيْ يَوْمَ جَمَاعَةِ النَّاسِ كُلِّهِمْ.
وَجُمْلَةُ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا، وَعُطِفَتْ عَلَيْهَا جُمْلَةُ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ فَكَانَ الْجُمْلَتَانِ جَوَابًا لِسُؤَالِ سَائِلٍ عَنْ شَأْنِ هَذَا الْجَمْعِ إِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ.
فَقِيلَ: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، أَيْ فَرِيقٌ مِنَ الْمَجْمُوعِينَ بِهَذَا الْجَمْعِ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، أَوْ لِسُؤَالِ سَائِلٍ عَنْ حَالِ هَذَا الْجَمْعِ إِنْ كَانَ الْجَمْعُ بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِينَ: وَالتَّقْدِيرُ: فَرِيقٌ مِنْهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ مِنْهُمْ فِي السَّعِيرِ. وَتَقَدَّمَ السَّعِيرُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [٩٧] . وَسَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِ فَرِيقٌ وَهُوَ نَكِرَةٌ لِوُقُوعِهَا فِي مَعْرِضِ التَّفْصِيلِ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute