وَتَيْمَاءَ وَقُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَبَنِي قَيْنُقَاعَ، وَقَدْ عَدَلَ فِيهِمْ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ حَتَّى ظَاهَرُوا عَلَيْهِ الْأَحْزَابَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِأَعْدِلَ لَامٌ يَكْثُرُ وُقُوعُهَا بَعْدَ أَفْعَالِ مَادَّتَيِ الْأَمْرِ وَالْإِرَادَةِ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النِّسَاء: ٢٦] ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهَا زَائِدَةً.
وَجُمْلَةُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ مِنَ الْمَأْمُورِ بِأَنْ يَقُولَهُ. فَهِيَ كُلُّهَا جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ عَنْ جُمْلَةِ
آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ جُمْلَةِ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ بِحَذَافِرِهَا هُوَ قَوْلُهُ: لَا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ فَهِيَ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ، وَإِنَّمَا ابْتُدِئَتْ بِجُمْلَتَيِ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ تَمْهِيدًا لِلْغَرَضِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، فَلِذَلِكَ كَانَتِ الْجُمَلُ كُلُّهَا مَفْصُولَةً عَنْ جُمْلَةِ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ: اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ أَنَّنَا مُتَّفِقُونَ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً [آل عمرَان: ٦٤] الْآيَةَ، أَيْ فَاللَّهُ الشَّهِيدُ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ إِذْ كَذَّبْتُمْ كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ عِنْدِهِ، فَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّسْجِيلِ وَالْإِلْزَامِ.
وَجُمْلَةُ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ دَعْوَةُ إِنْصَافٍ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ يُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ.
وَهَذَا خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهْدِيدِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى الْخَطَأِ. وَجُمْلَةُ لَا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ هِيَ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ أَيْ أَعْدِلَ بَيْنَكُمْ وَلَا أُخَاصِمَكُمْ عَلَى إِنْكَارِكُمْ صِدْقِي.
وَالْحُجَّةُ: الدَّلِيلُ الَّذِي يَدُلُّ الْمَسُوقَ إِلَيْهِ عَلَى صِدْقِ دَعْوَى الْقَائِمِ بِهِ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْحُجَّةُ بَيْنَ مُخْتَلِفِينَ فِي دَعْوَى. وَنَفْيُ الْحُجَّةِ نَفْيُ جِنْسٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنْ نَفْيِ الْمُجَادَلَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا وُقُوعُ الِاحْتِجَاجِ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ التَّصَدِّي لِخُصُومَتِهِمْ فَيَكُونَ الْمَعْنَى الْإِمْسَاكَ عَنْ مُجَادَلَتِهِمْ لِأَنَّ الْحَقَّ ظَهَرَ وَهُمْ مُكَابِرُونَ فِيهِ وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِأَنَّ الْجِدَالَ مَعَهُمْ لَيْسَ بِذِي جَدْوَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute