للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفَرَّعَ عَلَى تَوْبِيخِهِمْ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَهُوَ تَفْرِيعٌ فِيهِ خَفَاءٌ وَدِقَّةٌ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنَ التَّفْرِيعِ أَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ إِبْطَالٌ لِمَا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ مِنْ الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ وَتَوْكِيدٌ لِلتَّوْبِيخِ فَكَيْفَ يُسْتَفَادُ هَذَا الْإِبْطَالُ مِنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ الْمُفَرَّعَيْنِ عَلَى التَّوْبِيخِ.

وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي بَيَانِ هَذَا التَّفْرِيعِ وَتَرَتُّبِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ أَفْهَامٌ عَدِيدَةٌ لَا يَخْلُو مُعْظَمُهَا عَنْ تَكَلُّفٍ وَضَعْفِ اقْتِنَاعٍ. وَالْوَجْهُ فِي بَيَانِهِ: أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَجَوَابَهُ الْمُفَرَّعَيْنِ فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ عَلَى التَّوْبِيخِ وَالْإِبْطَالِ هُمَا دَلِيلٌ عَلَى الْمَقْصُودِ بِالتَّفْرِيعِ الْمُنَاسِبِ لِتَوْبِيخِهِمْ وَإِبْطَالِ قَوْلِهِمْ، وَتَقْدِيرُ الْمُفَرَّعِ هَكَذَا: فَكَيْفَ يَكُونُ الِافْتِرَاءُ مِنْكَ عَلَى اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يُقِرُّ أَحَدًا أَنْ يَكْذِبَ عَلَيْهِ فَلَوْ شَاءَ لَخَتَمَ عَلَى قَلْبِكَ، أَيْ سَلَبَكَ الْعَقْلَ الَّذِي يُفَكِّرُ فِي الْكَذِبِ فَتُفْحَمُ عَنِ الْكَلَامِ فَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَقَوَّلَ عَلَيْهِ، أَيْ وَلَيْسَ ثَمَّةَ حَائِلٌ يَحُولُ دُونَ مَشِيئَةِ اللَّهِ ذَلِكَ لَوِ افْتَرَيْتَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الشَّرْطُ كِنَايَةً عَنِ انْتِفَاءِ الِافْتِرَاءِ لَأَنَّ اللَّهَ لَا يُقِرُّ مَنْ يَكْذِبُ عَلَيْهِ كَلَامًا، فَحَصَلَ بِهَذَا النَّظْمِ إِيجَازٌ بَدِيعٌ، وَتَكُونُ الْآيَةُ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة: ٤٤- ٤٦] .

وَلِابْنِ عَطِيَّةَ كَلِمَاتٌ قَلِيلَةٌ يُؤَيِّدُ مَغْزَاهَا هَذَا التَّقْرِيرَ مُسْتَنِدَةٌ لِقَوْلِ قَتَادَةَ مَحْمُولًا عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْ كَوْنِ مَا بَعْدَ الْفَاءِ هُوَ الْمُفَرَّعُ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ كِنَايَةً عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنْ قَوْلِهِمُ: افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً، أَيْ أَنَّ اللَّهَ يُخَاطِبُ رَسُولَهُ بِهَذَا تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ افْتِرَاءَهُ عَلَى اللَّهِ لَا يُهِمُّكُمْ حَتَّى تناصبوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَدَاءَ، فَاللَّهُ أَوْلَى مِنْكُمْ بِأَنْ يُغَارَ عَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ رِسَالَتِهِ وَبِأَنْ يَذُبَّ عَنْ جَلَالِهِ فَلَا تَجْعَلُوا هَذِهِ الدَّعْوَى هَمَّكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَخَتَمَ عَلَى قَلْبِكَ فَسَلَبَكَ الْقُدْرَةَ عَلَى أَنْ تَنْسُبَ إِلَيْهِ كَلَامًا. وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ هُمَا الْمُنَاسِبَانِ لِمَوْقِعِ الْآيَةِ، وَلِفَاءِ التَّفْرِيعِ، وَلِمَا فِي الشَّرْطِ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ، وَلِوُقُوعِ فِعْلِ الشَّرْطِ مُضَارِعًا، فَالْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: عَلى قَلْبِكَ وَهُوَ انْتِهَاءُ كَلَامٍ.

وَجُمْلَةُ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى التَّفْرِيعِ، وَهِيَ كَلَامٌ مُسْتَأْنِفٌ، مُرَادٌ