للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْهُ أَنَّ اللَّهَ يَمْحُو بَاطِلَ الْمُشْرِكِينَ وَبُهْتَانَهُمْ وَيُحَقِّقُ مَا جَاءَ بِهِ رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَعَلَى مُرَاعَاةِ هَذَا الْمَعْنَى جَرَى جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ مِثْلَ الْكِسَائِيِّ وَابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَالزَّجَّاجِ وَالزَّمَخْشَرِيِّ وَلَمْ يَجْعَلُوا وَيَمْحُ عَطْفًا عَلَى فِعْلِ الْجَزَاءِ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ أَنَّ هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ، وَوَعِيدِ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ دِينَهُمْ زَائِلٌ. وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ رَفْعِ وَيُحِقُّ بِاتِّفَاقِ الْقُرَّاءِ عَلَى رَفْعِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَحْوِ عَلَى هَذَا: الْإِزَالَةُ. وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ:

الْبَاطِلُ الْمَعْهُودُ وَهُوَ دِينُ الشِّرْكِ. وَبِالْحَقِّ: الْحَقُّ الْمَعْهُودُ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ.

أَوْ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ مِنْ شَأْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُزِيلَ الْبَاطِلَ وَيَفْضَحَهُ بِإِيجَادِ أَسْبَابِ زَوَالِهِ وَأَنْ يُوَضِّحَ الْحَقَّ بِإِيجَادِ أَسْبَابِ ظُهُورِهِ، حَتَّى يَكُونَ ظُهُورُهُ فَاضِحًا لِبُطْلَانِ الْبَاطِلِ فَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مُفْتَرًى عَلَى اللَّهِ لَفَضَحَ اللَّهُ بُطْلَانَهُ وَأَظْهَرَ الْحَقَّ، فَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ: جِنْسُ الْبَاطِلِ، وَبِالْحَقِّ جِنْسُ الْحَقِّ، وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ كَالتَّذْيِيلِ لِلتَّفْرِيعِ. وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِالِاسْتِئْنَافِ، وَلِإِفَادَتِهِ الْوَعِيدَ بِإِزَالَةِ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَنَصْرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ.

وَعَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ فَقَوْلُهُ: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى جَزَاءِ الشَّرْطِ إِذْ لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى: إِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَمْحُ الْبَاطِلَ، بَلْ هُوَ تَحْقِيقٌ لِمَحْوِهِ لِلْبَاطِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [الْإِسْرَاء: ٨١] ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ رَفْعُ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ، فَفِعْلُ يَمْحُ مَرْفُوعٌ وَحَقُّهُ ظُهُورُ الْوَاوِ فِي آخِرِهِ، وَلَكِنَّهَا حُذِفَتْ تَخْفِيفًا فِي النُّطْقِ، وَتَبِعَ حَذْفَهَا فِي النُّطْقِ حَذْفُهَا فِي الرَّسْمِ اعْتِبَارًا بِحَالِ النُّطْقِ كَمَا حُذِفَ وَاوُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [العلق: ١٨] وَوَاوُ وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ [الْإِسْرَاء: ١١] . وَذَكَرَ فِي «الْكَشَّافِ» أَنَّ الْوَاوَ ثَبَتَتْ فِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ وَلَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ فِيمَا رَأَيْتُ.

وَإِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ دُونَ أَنْ يَقُولَ: وَيَمْحُ الْبَاطِلَ، لِتَقْوِيَةِ تَمَكُّنِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ مِنَ الذِّهْنِ وَلِإِظْهَارِ عِنَايَةِ اللَّهِ بِمَحْوِ الْبَاطِلِ. وَإِنَّمَا عَدَلَ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ فِي صَوْغِ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ فَلَمْ يَقُلْ: وَاللَّهُ يَمْحُو الْبَاطِلَ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ أَنَّ مَا فِي إِفَادَةِ الْمُضَارِعِ مِنَ التَّجَدُّدِ وَالتَّكْرِيرِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ هَذَا شَأْنُ اللَّهِ وَعَادَتُهُ لَا تَتَخَلَّفُ وَلَمْ يَقْصِدْ تَحْقِيقَ ذَلِكَ وَتَثْبِيتَهُ لِأَنَّ إِفَادَةَ