للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالرِّضَا وَالْفَوْزِ فِي الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ.

وَرُبَّمَا خَصَّهُمْ بِمَا أَرَادَ تَخْصِيصَهُمْ بِهِ مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى إِقَامَةِ الْحَقِّ.

وَالْبَغْيُ: الْعُدْوَانُ وَالظُّلْمُ، أَيْ لَبَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّ الْغِنَى مَظِنَّةُ الْبَطَرِ وَالْأَشَرِ

إِذَا صَادَفَ نَفْسًا خَبِيثَةً، قَالَ بَعْضُ بَنِي جرم من طَيء مِنْ شُعَرَاءِ الحماسة:

إِذا أخصبتموا كُنْتُمْ عَدُوًّا ... وَإِنْ أَجْدَبْتُمُو كُنْتُمْ عِيَالًا

وَلِبَعْضِ الْعَرَبِ أَنْشَدَهُ فِي «الْكَشَّافِ» :

وَقَدْ جَعَلَ الْوَسْمِيُّ يُنْبِتُ بَيْنَنَا ... وَبَيْنَ بَنِي رُومَانَ نَبْعًا وَشَوْحَطًا (١)

فَأَمَّا الْفَقْرُ فَقَلَّمَا كَانَ سَبَبًا لِلْبَغْيِ إِلَّا بَغْيًا مَشُوبًا بِمَخَافَةٍ كَبَغْيِ الْجَائِعِ بِالِافْتِكَاكِ بِالْعُنْفِ فَذَلِكَ لِنُدْرَتِهِ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، عَلَى أَنَّ السِّيَاقَ لِبَيَانِ حِكْمَةِ كَوْنِ الرِّزْقِ بِقَدَرٍ لَا لِبَيَانِ حِكْمَةٍ فِي الْفَقْرِ.

فَالتَّلَازُمُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا حَاصِلٌ بِهَذِهِ السَّبَبِيَّةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ هَذَا السَّبَبِ قَدْ يَخْلُفُهُ ضِدُّهُ أَيْضًا، عَلَى أَنَّ بَيْنَ بَسْطِ الرِّزْقِ وَبَيْنَ الْفَقْرِ مَرَاتِبَ أُخْرَى مِنَ الْكَفَافِ وَضِيقِ الرِّزْقِ وَالْخَصَاصَةِ، وَالْفَقْرِ، وَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ فَلَا إِشْكَالَ فِي التَّعْلِيلِ. وَعَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ «فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّا نَظَرْنَا إِلَى أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ وَبَنِي قَيْنُقَاعَ فَتَمَنَّيْنَاهَا فَنَزَلَتْ» ، وَهَذَا مِمَّا حَمَلَ قَوْمًا عَلَى ظَنِّ هَذِهِ الْآيَةِ مَدَنِيَّةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ. وَهَذَا إِنْ صَحَّ عَنْ خَبَّابٍ فَهُوَ تَأْوِيلٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَخَبَّابٌ أَنْصَارِيٌّ فَلَعَلَّهُ سَمِعَ تَمْثِيلَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَمِعَهَا مِنْ قَبْلُ. وَرُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ تَمَنَّوْا سَعَةَ الرِّزْقِ فَنَزَلَتْ، وَهَذَا خَبَرٌ ضَعِيفٌ.

وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَوْ جَعَلَ اللَّهُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي بَسْطَةٍ مِنَ الرِّزْقِ لَاخْتَلَّ نِظَامُ حَيَاتِهِمْ بِبَغْيِ بَعْضِهِمْ عَلَى بعض لِأَن بَعضهم الْأَغْنِيَاءَ تُحَدِّثُهُ نَفْسُهُ بِالْبَغْيِ لِتَوَفُّرِ


(١) رُومَان برَاء مَضْمُومَة: اسْم رجل.