للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَسْبَابِ الْعُدْوَانِ كَمَا عَلِمْتَ فَيَجِدُ مِنَ الْمَبْغِيِّ عَلَيْهِ الْمُقَاوَمَةَ وَهَكَذَا، وَذَلِكَ مُفْضٍ إِلَى اخْتِلَالِ نِظَامِهِمْ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ بَسْطَ الرِّزْقِ لِبَعْضِ الْعِبَادِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ لَا يُفْضِي إِلَى مِثْلِ هَذَا الْفَسَادِ لِأَنَّ الْغِنَى قَدْ يُصَادِفُ نَفْسًا صَالِحَةً وَنَفْسًا لَهَا وَازِعٌ مِنَ الدِّينِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْبَغْيِ، فَإِنْ صَادَفَ نَفْسًا خَبِيثَةً لَا وَازِعَ لَهَا فَتِلْكَ حَالَةٌ نَادِرَةٌ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْوَالِ السَّيِّئَةِ فِي الْعَالَمِ وَلَهَا مَا يُقَاوِمُهَا فِي الشَّرِيعَةِ وَفَصْلِ الْقَضَاءِ وَغَيْرَةِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يُفْضِي إِلَى فَسَادٍ عَامٍّ وَلَا إِلَى اخْتِلَالِ نِظَامٍ.

وَإِطْلَاقُ فِعْلِ التَّنْزِيلِ عَلَى إِعْطَاءِ الرِّزْقِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ اسْتِعَارَةٌ

لِأَنَّهُ عَطَاءٌ مِنْ رَفِيعِ الشَّأْنِ، فَشُبِّهَ بِالنَّازِلِ مِنْ عُلُوٍّ وَتَكَرَّرَ مِثْلُ هَذَا الْإِطْلَاقِ فِي الْقُرْآنِ.

وَالْقَدَرُ بِفَتْحَتَيْنِ: الْمِقْدَارُ وَالتَّعْيِينُ.

وَمَعْنَى مَا يَشاءُ أَنَّ مَشِيئَتَهُ تَعَالَى جَارِيَةٌ عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ وَعَلَى مَا يُيَسِّرُهُ لَهُ مِنْ تَرْتِيبِ الْأَسْبَابِ عَلَى حسب مُخْتَلف صَالح مَخْلُوقَاتِهِ وَتَعَارُضِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَصَرُّفَاتٌ وَتَقْدِيرَاتٌ لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا عِلْمُهُ تَعَالَى. وَكُلُّهَا تَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ، وَهِيَ جُمْلَةٌ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلَّتِي قَبْلَهَا.

وَافْتُتِحَتْ بِ (إِنَّ) الَّتِي لَمْ يُرَدْ مِنْهَا تَأْكِيدُ الْخَبَرِ وَلَكِنَّهَا لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ وَالْإِيذَانِ بِالتَّعْلِيلِ لِأَنَّ (إِنَّ) فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ تَقُومُ مَقَامَ فَاءِ التَّفْرِيعِ وَتُفِيدُ التَّعْلِيلَ وَالرَّبْطَ، فَالْجُمْلَةُ فِي تَقْدِيرِ الْمَعْطُوفَةِ بِالْفَاءِ.

وَالْجَمْعُ بَيْنَ وَصْفَيْ خَبِيرٌ وبَصِيرٌ لِأَنَّ وَصْفَ خَبِيرٌ دَالٌّ عَلَى الْعِلْمِ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَأَحْوَالِهِمْ قَبْلَ تَقْدِيرِهَا وَتَقْدِيرِ أَسْبَابِهَا، أَيِ الْعِلْمِ بِمَا سَيَكُونُ. وَوَصْفُ بَصِيرٌ دَالٌّ عَلَى الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَحْوَالِهِمُ الَّتِي حَصَلَتْ، وَفَرْقٌ بَيْنَ التَّعَلُّقَيْنِ للْعلم الإلهي.