يُسْلِمُوا بَاقُونَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَدْخَلُ فِي التَّسْلِيَةِ لِأَنَّ اسْمَ الْإِنْسَانِ اسْمُ جِنْسٍ يَتَضَمَّنُ أَوْصَافَ الْجِنْسِ الْمُسَمَّى بِهِ عَلَى تَفَاوُتٍ فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ لِغَلَبَةِ الْهَوَى. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ مِرَارًا كَقَوْلِهِ: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً [المعارج: ١٩] وَقَوْلِهِ: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:
٦] وَقَوْلِهِ: وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الْكَهْف: ٥٤] . وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِمُنَاسَبَةِ التَّسْلِيَةِ بِأَنْ نُزِّلَ السَّامِعُ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِي وُقُوعِ هَذَا الْخَبَرِ مَنْزِلَةَ الْمُتَرَدِّدِ فِي ذَلِكَ لِاسْتِعْظَامِهِ إِعْرَاضَهُمْ عَنْ دَعْوَةِ الْخَيْرِ فَشُبِّهَ بِالْمُتَرَدِّدِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَكْنِيَّةِ، وَحَرْفُ التَّأْكِيدِ مِنْ رَوَادِفِ الْمُشَبَّهِ بِهِ الْمَحْذُوفِ.
وَالْإِذَاقَةُ: مَجَازٌ فِي الْإِصَابَةِ.
وَالْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ: أَثَرُ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ النِّعْمَةُ. فَالتَّقْدِيرُ: وَإِنَّا إِذَا رَحِمْنَا الْإِنْسَانَ فَأَصَبْنَاهُ بِنِعْمَةٍ، بِقَرِينَةِ مُقَابَلَةِ الرَّحْمَةِ بِالسَّيِّئَةِ كَمَا قُوبِلَتْ بِالضَّرَّاءِ فِي قَوْلِهِ: وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ [٥٠] .
وَالْمُرَادُ بِالْفَرَحِ: مَا يَشْمَلُ الْفَرَحَ الْمُجَاوِزَ حَدَّ الْمَسَرَّةِ إِلَى حَدِّ الْبَطَرِ وَالتَّجَبُّرِ، عَلَى نَحْوِ مَا اسْتُعْمِلَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [الْقَصَص: ٧٦] لَا الْفَرَحُ الَّذِي فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [آل عمرَان: ١٧٠] .
وَتَوْحِيدُ الضَّمِيرِ فِي فَرِحَ لِمُرَاعَاةِ لَفْظِ الْإِنْسَانِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ جَمْعًا، كَقَوْلِهِ:
فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي [الحجرات: ٩] أَيِ الطَّائِفَةَ الَّتِي تَبْغِي، فَاعْتَدَّ بِلَفْظِ طَائِفَةٍ دُونَ مَعْنَاهُ مَعَ
أَنَّهُ قَالَ قبله اقْتَتَلُوا [الحجرات: ٩] . وَلِذَلِكَ جَاءَ بَعْدَهُ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ بِضَمِيرَيِ الْجَمَاعَةِ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ.
وَاجْتِلَابُ إِذا فِي هَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّ شَأْنَ إِذا أَنْ تَدُلَّ عَلَى تَحَقُّقِ كَثْرَةِ وُقُوعِ شَرْطِهَا، وَشَأْنُ إِنْ أَنْ تَدُلَّ عَلَى نُدْرَةِ وُقُوعِهِ، وَلِذَلِكَ اجْتَلَبَ إِنْ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ لِأَنَّ إِصَابَتَهُمْ بِالسَّيِّئَةِ نَادِرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِإِصَابَتِهِمْ بِالنِّعْمَةِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى:
فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ [الْأَعْرَاف:
١٣١] .