فَإِذَا رُجِّحَ أَنْ تَكُونَ سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ الزُّخْرُفِ كَانَ الْجَوَابُ الْقَاطِعُ لِابْنِ الزِّبَعْرَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِيهَا: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ [الْأَنْبِيَاء: ١٠١] لِأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ شُمُولِ قَوْلِهِ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الْأَنْبِيَاء: ٩٨] لِعِيسَى مَعْلُومٌ لِكُلِّ مَنْ لَهُ نَظَرٌ وَإِنْصَافٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا إِنَّمَا أُسْنِدَ إِلَى مَعْبُودَاتِ الْمُشْرِكِينَ لَا إِلَى مَعْبُودِ النَّصَارَى وَقَلِيلٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ الَّتِي لَمْ تُقْصَدْ بِالْخِطَابِ الْقُرْآنِيِّ أَيَّاَمَئِذٍ، وَلَمَّا أجابهم النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْآيَةَ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ إِنَّمَا عَنَى الْمَعْبُودَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ أَصْنَامِهِمْ لَا تَفْقَهُ وَلَا تَتَّصِفُ بِزَكَاءٍ، بِخِلَافِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمُ الْقُرْآنُ بِرِفْعَةِ الدَّرَجَةِ قَبْلَ تِلْكَ الْآيَةِ وَبَعْدَهَا، إِذْ لَا لَبْسَ فِي ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ هُنَا فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ بِقَوْلِهِ: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا جَوَابًا إِجْمَالِيًّا، أَيْ مَا أَرَادُوا بِهِ إِلَّا التَّمْوِيهَ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ أَنَّ آيَةَ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ تُفِيدُ أَنَّ عِيسَى لَيْسَ حَصَبَ جَهَنَّمَ، وَالْمَقَامُ هُنَا مَقَامُ إِجْمَالٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِشَارَةٌ وَتَذْكِيرٌ إِلَى مَا سَبَقَ مِنَ الْحَادِثَةِ حِينَ نُزُولِ آيَةِ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٍ يَصِدُّونَ بِضَمِّ الصَّادِّ مِنَ الصُّدُودِ إِمَّا بِمَعْنَى الْإِعْرَاضِ وَالْمُعْرَضُ عَنْهُ مَحْذُوفٌ لِظُهُورِهِ مِنَ الْمَقَامِ، أَيْ يُعْرِضُونَ عَنِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُمْ أَوْهَمُوا بِجَدَلِهِمْ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ تَنَاقُضًا، وَإِمَّا عَلَى أَنَّ الضَّمَّ لُغَةٌ فِي مُضَارِعِ صَدَّ بِمَعْنَى ضَجَّ مِثْلُ لُغَةِ كَسْرِ الصَّادِ وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَالْكِسَائِيِّ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَيَعْقُوبُ بِكَسْرِ الصَّادِ وَهُوَ الصَّدُّ بِمَعْنَى الضَّجِيجِ وَالصَّخَبِ. وَالْمَعْنَى: إِذَا قُرَيْشٌ قَوْمُكَ يَصْخَبُونَ وَيَضِجُّونَ مِنِ احْتِجَاجِ ابْنِ
الزِّبَعْرَى بِالْمَثَلِ بِعِيسَى فِي قَوْلِهِ، مُعْجَبِينَ بِفَلْجِهِ وَظُهُورِ حُجَّتِهِ لِضَعْفِ إِدْرَاكِهِمْ لِمَرَاتِبِ الِاحْتِجَاجِ.
وَالتَّعْبِيرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِعُنْوَانِ قَوْمُكَ. لِلتَّعْجِيبِ مِنْهُمْ كَيْفَ فَرِحُوا مِنْ تَغَلُّبِ ابْنِ الزِّبَعْرَى على النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَعْمِهِمْ فِي أَمْرِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَيْ مَعَ أَنَّهُمْ قَوْمُكَ وَلَيْسُوا قَوْمَ عِيسَى وَلَا أَتْبَاعَ دِينِهِ فَكَانَ فَرَحُهُمْ ظُلْمًا مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى، قَالَ زُهَيْرٌ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute