وَظُلْمُ ذَوِي الْقُرْبَى أَشُدُّ مَضَاضَةً ... عَلَى الْمَرْءِ مَنْ وَقْعِ الْحُسَامِ الْمُهَنَّدِ
وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ مِنْهُ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ لَيْسَتْ لِتَعْدِيَةِ يَصِدُّونَ إِلَى مَا فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ إِنَّمَا يُتَعَدَّى إِلَيْهِ بِحَرْفِ (عَنْ) ، وَلَا أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ بِهَا عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ وَلَكِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِ يَصِدُّونَ تَعَلُّقًا عَلَى مَعْنَى الِابْتِدَاءِ، أَيْ يَصُدُّونَ صَدًّا نَاشِئًا مِنْهُ، أَيْ مِنَ الْمَثَلِ، أَيْ ضُرِبَ لَهُمْ مَثَلٌ فَجَعَلُوا ذَلِكَ الْمَثَلَ سَبَبًا لِلصَّدِّ. وَقَالُوا جَمِيعًا: آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ، تَلَقَّفُوهَا مِنْ فَمِ ابْنِ الزِّبَعْرَى حِينَ قَالَهَا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعَادُوهَا. فَهَذَا حِكَايَةٌ لِقَوْلِ ابْنِ الزِّبَعْرَى: إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ عِيسَى نَبِيءٌ وَقَدْ عَبَدَتْهُ النَّصَارَى فَإِنْ كَانَ عِيسَى فِي النَّارِ قَدْ رَضِينَا أَنْ نَكُونَ وَآلِهَتُنَا فِي النَّارِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْله: آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ تَقْرِيرِيٌّ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ النَّبِيءَ يُفَضِّلُ عِيسَى عَلَى آلِهَتِهِمْ، أَيْ فَقَدْ لَزِمَكَ أَنَّكَ جَعَلْتَ أَهْلًا لِلنَّارِ مَنْ كُنْتَ تُفَضِّلُهُ فَأَمْرُ آلِهَتِنَا هَيِّنٌ.
وَضَمِيرُ الرَّفْعِ فِي مَا ضَرَبُوهُ عَائِدٌ إِلَى ابْنِ الزِّبَعْرَى وَقَوْمِهِ الَّذِينَ أُعْجِبُوا بِكَلَامِهِ وَقَالُوا بِمُوجَبِهِ. وَضَمِيرُ النَّصْبِ الْغَائِبُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الْمَثَلِ فِي قَوْلِهِ: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا، أَيْ مَا ضَرَبُوا لَكَ ذَلِكَ الْمَثَلَ إِلَّا جَدَلًا مِنْهُمْ، أَيْ مُحَاجَّةً وَإِفْحَامًا لَكَ وَلَيْسُوا بِمُعْتَقِدِينَ هَوْنَ أَمْرِ آلِهَتِهِمْ عِنْدَهُمْ، وَلَا بِطَالِبِينَ الْمَيْزَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ عِيسَى خَيْرٌ مِنْ آلِهَتِهِمْ وَلَكِنَّهُمْ أَرَادُوا مُجَارَاةَ النَّبِيءِ فِي قَوْلِهِ لِيُفْضُوا إِلَى إِلْزَامِهِ بِمَا أَرَادُوهُ مِنَ الْمُنَاقَضَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ النَّصْبِ فِي ضَرَبُوهُ عَائِدًا إِلَى مَصْدَرٍ مَأْخُوذٍ مِنْ فِعْلِ وَقالُوا، أَيْ مَا ضَرَبُوا ذَلِكَ الْقَوْلَ، أَيْ مَا قَالُوهُ إِلَّا جَدَلًا. فَالضَّرْبُ بِمَعْنَى الْإِيجَادِ كَمَا يُقَالُ: ضَرَبَ بَيْتًا، وَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
ضَرَبَتْ عَلَيْكَ الْعَنْكَبُوتُ بِنَسْجِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute