وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦٩] .
وَقَدْ جَاءَ عِيسَى بِتَعْلِيمِهِمْ حَقَائِقَ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ وَالْمَوَاعِظِ.
وَقَوْلُهُ: وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ، عُطِفَ عَلَى بِالْحِكْمَةِ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ جِئْتُكُمْ. وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ. وَالتَّبْيِينُ: تَجْلِيَةُ الْمَعَانِي الْخَفِيَّةِ لِغُمُوضٍ أَوْ سُوءِ تَأْوِيلٍ، وَالْمُرَادُ مَا بَيَّنَهُ عِيسَى فِي الْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ أَفْهَامُ الْيَهُودِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِفَهْمِ التَّوْرَاةِ أَوْ بِتَعْيِينِ الْأَحْكَامِ لِلْحَوَادِثِ الطَّارِئَةِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَهُ الْمَحْكِيَّ فِي آيَة سُورَة آل عمرَان [٥٠] وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ قَالَهُ فِي مَقَامٍ آخَرَ.
وَالْمَقْصُودُ حِكَايَةُ مَا قَالَهُ لَهُمْ مِمَّا لَيْسَ شَأْنُهُ أَنْ يُثِيرَ عَلَيْهِ قَوْمَهُ بِالتَّكْذِيبِ فَهُمْ كَذَّبُوهُ فِي وَقْتٍ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ فِيهِ أَنَّهُ جَاءَ بِنَسْخِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ مِنَ التَّوْرَاةِ، أَيْ كَذَّبُوهُ فِي حَالِ ظُهُورِ آيَاتِ صِدْقِهِ بِالْمُعْجِزَاتِ وَفِي حَالِ انْتِفَاءِ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُثِيرَ عَلَيْهِ شَكًّا. وَإِنَّمَا قَالَ:
بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ، إِمَّا لِأَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَهُ بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِبَيَانِ كُلِّ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْبَعْضِ ثُمَّ يَكْمُلُ بَيَانُ الْبَاقِي عَلَى لِسَانِ رَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِ
يُبَيِّنُ جَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْبَيَانِ. وَإِمَّا لِأَنَّ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنَ الْبَيَانِ غَيْرُ شَامِلٍ لِجَمِيعِ مَا هُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ يَنْتَظِرُ بَيَانَهُ مِنْ بَعْدُ تَدْرِيجًا فِي التَّشْرِيعِ كَمَا وَقَعَ فِي تَدْرِيجِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فِي الْإِسْلَامِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ مَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ رَاجِعًا إِلَى أَحْكَامِ الدِّينِ دُونَ مَا كَانَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا.
وَفِي قَوْلِهِ: بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ تَهْيِئَةٌ لَهُمْ لِقَبُولِ مَا سَيُبَيَّنُ لَهُمْ حِينَئِذٍ أَوْ مِنْ بَعْدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute