وَالْمَقْصُودُ تَشْبِيهُ الْحَالَةِ بِالْحَالَةِ وَلَكِنْ عُدِلَ عَنْ صَوْغِ الْكَلَامِ بِصِيغَةِ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ إِلَى صَوْغِهِ بِصِيغَةِ الْإِخْبَارِ اهْتِمَامًا بِالْقِصَّةِ وَإِظْهَارًا بِأَنَّهَا فِي ذَاتِهَا مِمَّا يَهِمُّ الْعِلْمُ بِهِ، وَأَنَّهَا تَذْكِيرٌ مُسْتَقِلٌّ وَأَنَّهَا غَيْرُ تَابِعَةٍ غَيْرَهَا. وَلِأَنَّ جُمْلَةَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ عُطِفَتْ عَلَى جُمْلَةِ فَتَنَّا أَيْ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ، عَطْفُ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ، وَإِنَّمَا جَاءَ مَعْطُوفًا إِذِ الْمَذْكُورُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ مَعْنَى الْفِتْنَةِ، فَلَا تَكُونُ جُمْلَةً وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ بَيَانًا لِجُمْلَةِ فَتَنَّا بَلْ هِيَ تَفْصِيلٌ لِقِصَّةِ بَعْثَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَالْفَتْنُ: الْإِيقَاعُ فِي اخْتِلَالِ الْأَحْوَالِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٩١] .
وَالرَّسُولُ الْكَرِيمُ: مُوسَى، وَالْكِرِيمُ: النَّفِيسُ الْفَائِقُ فِي صِنْفِهِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ فِي سُورَةِ النَّمْلِ [٢٩] ، أَيْ رَسُولٌ مِنْ خِيرَةِ الرُّسُلِ أَوْ مِنْ خِيرَةِ النَّاسِ.
وأَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ تَفْسِيرٌ لِمَا تَضَمَّنَهُ وَصْفُ رَسُولٌ وَفِعْلُ جاءَهُمْ مِنْ مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَالتَّبْلِيغِ فَفِيهِمَا مَعْنَى الْقَوْلِ. وَمَعْنَى أَدُّوا إِلَيَّ أَرْجِعُوا إِلَيَّ وَأَعْطُوا قَالَ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمرَان: ٧٥] ، يُقَالُ: أَدَّى الشَّيْءَ أَوْصَلَهُ وَأَبْلَغَهُ. وَهَمْزَةُ الْفِعْلِ أَصْلِيَّةٌ وَهُوَ مُضَاعَفُ الْعَيْنِ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فِعْلٌ سَالِمٌ غَيْرُ مُضَاعَفٍ، جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَالْأَمَانَةِ عِنْدَ فِرْعَوْنَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ.
وَخِطَابُ الْجَمْعِ لِقَوْمِ فِرْعَوْنَ. وَالْمُرَادُ: فِرْعَوْنُ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ مَلَئِهِ لَعَلَّهُمْ يُشِيرُونَ عَلَى فِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا خَاطَبَ مَجْمُوعَ الْمَلَأِ لَمَّا رَأَى مِنْ فِرْعَوْنَ صَلَفًا وَتَكَبُّرًا من الِامْتِثَال، فخطاب أَهْلَ مَشُورَتِهِ لَعَلَّ فِيهِمْ مَنْ يَتَبَصَّرُ الْحَقَّ.
وعِبادَ اللَّهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولَ أَدُّوا مُرَادًا بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، أُجْرِيَ وَصْفُهُمْ عِبادَ اللَّهِ تَذْكِيرًا لِفِرْعَوْنَ بِمُوجَبِ رَفْعِ الِاسْتِعْبَادِ عَنْهُمْ، وَجَاءَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [١٧] أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ فَحَصَلَ أنّه وَصفهم بالوصفين، فَوَصْفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute