عِبادَ اللَّهِ مُبْطِلٌ لِحُسْبَانِ الْقِبْطِ إِيَّاهُمْ عَبِيدًا كَمَا قَالَ: وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٤٧] وَإِنَّمَا هُمْ عِبَادُ
اللَّهِ، أَيْ أَحْرَارٌ فَعِبَادُ اللَّهِ كِنَايَةٌ عَنِ الْحُرِّيَّةِ كَقَوْلِ بِشَارٍ يُخَاطِبُ نَفْسَهُ:
أَصْبَحْتَ مَوْلَى ذِي الْجَلَالِ وَبَعْضُهُمْ ... مَوْلَى الْعَبِيدِ فَلُذْ بِفَضْلِكَ وَافْخَرِ
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُ فِعْلِ أَدُّوا مَحْذُوفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ، أَيْ أَدَّوْا إِلَيَّ الطَّاعَةَ وَيَكُونُ عِبادَ اللَّهِ مُنَادَى بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الظَّاهِرُ مِنْ شَرْعِ مُوسَى أَنَّهُ بُعِثَ إِلَى دُعَاءِ فِرْعَوْنَ لِلْإِيمَانِ وَأَنْ يُرْسِلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا أَبَى فِرْعَوْنُ أَنْ يُؤْمِنَ ثَبَتَتِ الْمُكَافَحَةُ فِي أَنْ يُرْسِلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ.
وَقَوْلُهُ: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ عِلَّةٌ لِلْأَمْرِ بِتَسْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَيْهِ، أَيْ لِأَنِّي مُرْسِلٌ إِلَيْكُمْ بِهَذَا، وَأَنَا أَمِينٌ، أَيْ مُؤْتَمَنٌ عَلَى أَنِّي رَسُولٌ لَكُمْ. وَتَقْدِيمُ لَكُمْ عَلَى رَسُولٌ لِلِاهْتِمَامِ بِتَعَلُّقِ الْإِرْسَالِ بِأَنَّهُ لَهُمُ ابْتِدَاءً بِأَنْ يُعْطُوهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْ إِرْسَالِهِ لِتَحْرِيرِ أُمَّةِ إِسْرَائِيلَ وَالتَّشْرِيعِ لَهَا، وَلَيْسَ قَوْلُهُ: لَكُمْ خِطَابًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِنَّ مُوسَى قَدْ أَبْلَغَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ رِسَالَتَهُ مَعَ التَّبْلِيغِ إِلَى فِرْعَوْنَ قَالَ تَعَالَى: فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ [يُونُس: ٨٣] ، وَلِيَكُونَ امْتِنَاعُ فِرْعَوْنَ مِنْ تَسْرِيحِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَرِّرًا لِانْسِلَاخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ طَاعَةِ فِرْعَوْنَ وَفِرَارِهِمْ مِنْ بِلَادِهِ.
وَعَطَفَ عَلَى طَلَبِ تَسْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَهْيًا عَنِ الِاسْتِكْبَارِ عَنْ إِجَابَةِ أَمْرِ اللَّهِ أَنَفَةً مِنَ الْحَطِّ مِنْ عَظَمَتِهِ فِي أَنْظَارِ قَوْمِهِمْ فَقَالَ: وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ أَيْ لَا تَعْلُوَا عَلَى أَمْرِهِ أَوْ عَلَى رَسُولِهِ فَلَمَّا كَانَ الِاعْتِلَاءُ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ تَرْفِيعًا لِأَنْفُسِهِمْ عَلَى وَاجِبِ امْتِثَالِ رَبِّهِمْ جَعَلُوا فِي ذَلِكَ كَأَنَّهُمْ يَتَعَالَوْنَ عَلَى اللَّهِ.
وأَنْ لَا تَعْلُوا عَطْفٌ عَلَى أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ. وَأُعِيدَ حَرْفُ أَنْ التَّفْسِيرِيَّةِ لِزِيَادَةِ تَأْكِيدِ التَّفْسِيرِ لِمَدْلُولِ الرِّسَالَةِ. وَلَا نَاهِيَةٌ، وَفِعْلُ تَعْلُوا مَجْزُومٌ بِ لَا النَّاهِيَةِ.
وَجُمْلَةُ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ عِلَّةٌ جَدِيرَةٌ بِالْعَوْدِ إِلَى الْجمل الثَّلَاث
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute