الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ لِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ تَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ مَضَامِينِ تِلْكَ الْجُمَلِ مَعْلُولِهَا وَعِلَّتِهَا.
وَالسُّلْطَانُ مِنْ أَسْمَاءِ الْحُجَّةِ قَالَ تَعَالَى: إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا [يُونُس: ٦٨] فالحجة تلجىء المحوج عَلَى الْإِقْرَارِ لِمَنْ يُحَاجُّهُ فَهِيَ كَالْمُتَسَلِّطِ عَلَى نَفْسِهِ.
وَالْمُعْجِزَةُ: حُجَّةٌ عَظِيمَةٌ وَلِذَلِكَ وَصِفَ السُّلْطَانُ بِ مُبِينٍ، أَيْ وَاضِحِ الدَّلَالَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ. وَهَذِهِ الْمُعْجِزَةُ هِيَ انْقِلَابُ عَصَاهُ ثُعْبَانًا مُبِينًا.
وآتِيكُمْ مُضَارِعٌ أَوِ اسْمُ فَاعِلِ (أَتَى) . وَعَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ فَهُوَ مُقْتَضٍ لِلْإِتْيَانِ بِالْحُجَّةِ فِي الْحَالِ.
وَجُمْلَةُ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ، فَإِنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِمَّا شَمِلَهُ كَلَامُهُ حِينَ تَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ فَكَانَ دَاخِلًا فِي مُجْمَلِ مَعْنَى وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ الْمُفَسَّرِ بِمَا بَعْدَ أَنْ التَّفْسِيرِيَّةِ. وَمَعْنَاهُ: تَحْذِيرُهُمْ مِنْ أَنْ يَرْجُمُوهُ لِأَنَّ مَعْنَى عُذْتُ بِرَبِّي جَعَلْتُ رَبِّي عَوْذًا، أَيْ مَلْجَأً. وَالْكَلَامُ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ بِتَشْبِيهِ التَّذْكِيرِ بِخَوْفِ اللَّهِ الَّذِي يَمْنَعُهُمْ مِنَ الِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِ بِالِالْتِجَاءِ إِلَى حِصْنٍ أَوْ مَعْقِلٍ بِجَامِعِ السَّلَامَةِ مِنَ الِاعْتِدَاءِ. وَمِثْلُ هَذَا التَّرْكِيبِ مِمَّا جَرَى مَجْرَى الْمَثَلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ [١٨] قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
، وَقَالَ أَحَدُ رُجَّازِ الْعَرَبِ:
قَالَتْ وَفِيهَا حَيْدَةٌ وَذُعْرُ ... عَوْذٌ بِرَبِّي مِنْكُمُ وَحِجْرُ
وَالتَّعْبِيرُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِوَصْف بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ لِأَنَّهُ أُدْخِلَ فِي ارْعِوَائِهِمْ مِنْ رَجْمِهِ حِينَ يَتَذَكَّرُونَ أَنَّهُ اسْتَعْصَمَ بِاللَّهِ الَّذِي يَشْتَرِكُونَ فِي مَرْبُوبِيَّتِهِ وَأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ قُدْرَتِهِ.
وَالرَّجْمُ: الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ تِبَاعًا حَتَّى يَمُوتَ الْمَرْمِيُّ أَوْ يُثْخِنَهُ الْجِرَاحُ. وَالْقَصْدُ مِنْهُ تَحْقِيرُ الْمَقْتُولِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْمُونَ بِالْحِجَارَةِ مَنْ يَطْرُدُونَهُ، قَالَ: فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ [الْحجر: ٣٤] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute