الْمُبَايَعَةِ الجليلة، وَكَون الرضى حَصَلَ عِنْدَ تَجْدِيدِ الْمُبَايَعَةِ وَلَمْ يَنْتَظِرْ بِهِ تَمَامُهَا، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الِانْصِرَافِ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الشَّجَرَةِ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ وَهِيَ: الشَّجَرَةُ الَّتِي عَهِدَهَا أَهْلُ الْبَيْعَةِ حِينَ كَانَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي ظِلِّهَا، وَهِيَ شَجَرَةٌ مِنْ شَجَرِ السَّمُرِ- بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ- وَهُوَ شَجَرُ الطَّلْحِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَيْعَةَ كَانَتْ لَمَّا أُرْجِفَ بِقَتْلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِمَكَّةَ فَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ «بَيْنَمَا نَحْنُ قَائِلُونَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَدْ تَفَرَّقَ النَّاسُ فِي ظِلَالِ الشَّجَرِ إِذْ نَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَيُّهَا النَّاسُ الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ، نَزَلَ رُوحُ الْقُدُسِ فَاخْرُجُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي دَعَا النَّاسَ
إِلَى الْبَيْعَةِ فَثَارَ النَّاسُ إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَبَايَعُوهُ كُلُّهُمْ إِلَّا الْجَدَّ بْنَ قَيْسٍ» .
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ عَمِيَ لَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ لَأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ. وَتَوَاتَرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عِلْمُ مَكَانِ الشَّجَرَةِ بِصَلَاةِ النَّاسِ عِنْدَ مَكَانِهَا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ أَيْ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ نَسِينَاهَا فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا وَعَنْ طَارِقِ بن عبد الرحمان قَالَ: انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ قُلْتُ: مَا هَذَا الْمَسْجِدُ؟ قَالُوا: هَذِهِ الشَّجَرَةُ حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ. فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ أَفَأَنْتُمْ أَعْلَمُ» .
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ طَارِقٍ: مَا هَذَا الْمَسْجِدُ: مَكَانُ السُّجُودِ، أَيِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْبَيْتَ الَّذِي يُبْنَى لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى مَوْضِعِ الشَّجَرَةِ وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ الزَّمَنِ فَهَذِهِ الشَّجَرَةُ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانُوا إِذَا مَرُّوا بِهَا يُصَلُّونَ عِنْدَهَا تَيَمُّنًا بِهَا إِلَى أَنْ كَانَتْ خِلَافَةُ عُمَرَ فَأَمَرَ بِقَطْعِهَا خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ كَذَاتِ أَنْوَاطٍ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا فَعَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ وَبَعْضَ أَصْحَابِهِ نَسُوا مَكَانَهَا لِأَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي تَوَسُّمِ الْأَمْكِنَةِ وَاقْتِفَاءِ الْآثَارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute