وَالْمَرْوِيُّ أَنَّ الَّذِي بَنَى مَسْجِدًا عَلَى مَكَانِ الشَّجَرَةِ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ وَلَكِنْ فِي الْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ حَجَرٌ مَكْتُوبٌ فِيهِ «أَمَرَ عَبْدُ اللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِبِنَاءِ هَذَا الْمَسْجِدِ مَسْجِدِ الْبَيْعَةِ وَأَنَّهُ بُنِيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهِيَ تُوَافِقُ مُدَّةَ الْمُتَوَكِّلِ جَعْفَرِ بْنِ الْمُعْتَصِمِ وَقَدْ تَخَرَّبَ فَجَدَّدَهُ الْمُسْتَنْصِرُ الْعَبَّاسِيُّ سَنَةَ ٦٢٩ ثُمَّ جَدَّدَهُ السُّلْطَانُ مَحْمُودُ خَانْ الْعُثْمَانِيُّ سَنَةَ ١٢٥٤ وَهُوَ قَائِمٌ إِلَى الْيَوْمِ.
وَذُكِرَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ لِاسْتِحْضَارِ تِلْكَ الصُّورَةِ تَنْوِيهًا بِالْمَكَانِ فَإِنَّ لِذِكْرِ مَوَاضِعِ الْحَوَادِثِ وَأَزْمَانِهَا مَعَانِيَ تُزِيدُ السَّامِعَ تَصَوُّرًا وَلِمَا فِي تِلْكَ الْحَوَادِثِ مِنْ ذِكْرَى مِثْلِ مَوَاقِعِ الْحُرُوبِ وَالْحَوَادِثِ كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «وَيَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ اشْتَدَّ برَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ» الْحَدِيثَ. وَمَوَاقِعُ الْمَصَائِبِ وَأَيَّامُهَا.
وإِذْ ظَرْفٌ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ رَضِيَ، أَيْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْحِين. وَهَذَا رضى خَاصٌّ، أَي تعلّق رضى اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُمْ بِتِلْكَ الْحَالَةِ.
وَالْفَاء فِي قَوْلِهِ: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ لَيْسَتْ لِلتَّعْقِيبِ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ لَيْسَ عَقِبَ رِضَاهُ عَنْهُمْ وَلَا عَقِبَ وُقُوعِ بَيْعَتِهِمْ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ فَاءً فَصِيحَةً تُفْصِحُ عَنْ كَلَامٍ مُقَدَّرٍ بَعْدَهَا. وَالتَّقْدِيرُ: فَلَمَّا بَايَعُوكَ عَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْكَآبَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ لِتَفْرِيعِ الْأَخْبَارِ بِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ بعد الْإِخْبَار برضى اللَّهُ عَنْهُمْ لِمَا فِي الْإِخْبَارِ بِعِلْمِهِ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ إِظْهَارِ عِنَايَتِهِ بِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّفْرِيعِ قَوْلُهُ:
فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ تَوْطِئَةً لَهُ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِرَاضِ.
وَالْمَعْنَى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَجْلِ مُبَايَعَتِهِمْ عَلَى نَصْرِكَ فَلَمَّا بَايَعُوا وَتَحَفَّزُوا لِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَوَقَعَ الصُّلْحُ حَصَلَتْ لَهُمْ كَآبَةٌ فِي نُفُوسِهِمْ فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ تِلْكَ الْكَآبَةِ، وَهَذَا مِنْ عِلْمِهِ الْأَشْيَاءَ بَعْدَ وُقُوعِهَا وَهُوَ مِنْ تَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ بِالْحَوَادِثِ بَعْدَ حُدُوثِهَا، أَيْ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا وَقَعَتْ وَهُوَ تَعَلُّقٌ حَادِثٌ مِثْلُ التَّعَلُّقَاتِ التَّنْجِيزَيَّةِ. وَالْمَقْصُودُ بِإِخْبَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ مَا حَصَّلَ فِي قُلُوبِهِمُ الْكَآبَةَ عَنْ أَنَّهُ قَدَرَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute