للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَمَا مَثَّلَ عِيسَى غَلَبَ الْإِسْلَامَ فِي الْإِنْجِيلِ، وَيُشبه الْمُؤْمِنُونَ الْأَولونَ بِحَبَّاتِ الزَّرْعِ الَّتِي يَبْذُرُهَا فِي الْأَرْضِ مِثْلِ: أَبِي بَكْرٍ

وَخَدِيجَةَ وَعَلِيٍّ وَبِلَالٍ وَعَمَّارٍ، وَالشَّطْءُ: مَنْ أَيَّدُوا الْمُسْلِمِينَ فَإِن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ وَانْضَمَّ إِلَيْهِ نَفَرٌ قَلِيلٌ ثُمَّ قَوَّاهُ اللَّهُ بِمَنْ ضَامَنَ مَعَهُ كَمَا يُقَوِّي الطَّاقَةَ الْأَوْلَى مِنَ الزَّرْعِ مَا يَحْتَفُّ بِهَا مِمَّا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا حَتَّى يُعْجِبَ الزُّرَّاعَ. وَقَوْلُهُ: يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ تَحْسِينٌ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ لِيُفِيدَ تَحْسِينَ الْمُشَبَّهِ.

لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ.

تَعْلِيلٌ لِمَا تَضَمَّنَهُ تَمْثِيلُهُمْ بِالزَّرْعِ الْمَوْصُوفِ مِنْ نَمَائِهِمْ وَتَرَقِّيهِمْ فِي الزِّيَادَةِ وَالْقُوَّةِ لِأَنَّ كَوْنَهُمْ بِتِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ تَقْدِيرِ اللَّهِ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا عَلَيْهَا فَمَثَّلْ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ أَبُو عُرْوَةَ الزُّبَيْرِيُّ (١) : كُنَّا عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَذَكَرُوا عِنْدَهُ رَجُلًا يَنْتَقِصُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَرَأَ مَالِكٌ هَذِهِ الْآيَةَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى أَنْ بَلَغَ قَوْلَهُ:

لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ فَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ فِي قَلْبِهِ غَيْظٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَصَابَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقُلْتُ: رَحِمَ اللَّهُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَرَضِيَ عَنْهُ مَا أَدَقَّ اسْتِنْبَاطَهُ.

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً.

أَعْقَبَ تَنْوِيهَ شَأْنِهِمْ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِوَعْدِهِمْ بِالْجَزَاءِ عَلَى مَا اتَّصَفُوا بِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي لَهَا الْأَثَرُ الْمَتِينُ فِي نَشْرِ وَنَصْرِ هَذَا الدِّينِ.

وَقَوْلُهُ: مِنْهُمْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (مِنْ) لِلْبَيَانِ كَقَوْلِهِ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الْحَج: ٣٠]


(١) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: من ولد الزبير، قلت لَعَلَّه سعيد بن عمر الزبيرِي الْمدنِي من أَصْحَاب مَالك، تَرْجمهُ فِي المدارك وَلم يذكر كنيته.