مَعْنَوِيَّةٍ، شُبِّهَ بِحَالَةِ نُزُولِ نَجْمٍ مِنْ أَعْلَى الْأُفق إِلَى أسلفه وَهُوَ من تَمْثِيلُ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ، أَوِ الْإِشَارَةُ إِلَى مُشَابَهَةِ حَالَةِ نُزُولِ جِبْرِيلَ مِنَ السَّمَاوَاتِ بِحَالَةِ نُزُولِ النَّجْمِ مِنْ أَعْلَى مَكَانِهِ إِلَى أَسْفَلِهِ، أَوْ بِانْقِضَاضِ الشِّهَابِ تَشْبِيهُ مَحْسُوسٍ بِمَحْسُوسِ، وَقَدْ يُشَبِّهُونَ سُرْعَةَ الْجَرْيِ بِانْقِضَاضِ الشِّهَابِ، قَالَ أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ يَصِفُ فرسا:
فانقضّ كالدريّ يَتْبَعُهُ ... نَقْعٌ يَثُورُ تَخَالُهُ طُنُبَا
وَالضَّلَالُ: عَدَمُ الِاهْتِدَاءِ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُوصِلِ إِلَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ مَجَازٌ فِي سُلُوكِ مَا يُنَافِي الْحَقَّ.
وَالْغِوَايَةُ: فَسَادُ الرَّأْيِ وَتَعَلُّقُهُ بِالْبَاطِلِ.
وَالصَّاحِبُ: الْمُلَازِمُ لِلَّذِي يُضَافُ إِلَيْهِ وَصْفُ صَاحِبٍ، وَالْمُرَادُ بِالصَّاحِبِ هُنَا: الَّذِي لَهُ مُلَابَسَاتٌ وَأَحْوَالٌ مَعَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا كَقَوْلِ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ الْوَارِدِ فِي أَثْنَاءِ قِصَّةِ الْهِجْرَةِ لَمَّا دَخَلَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهُ وَفِيهَا أُمُّ مَعْبَدٍ وَذَكَرَتْ لَهُ مُعْجِزَةَ مَسْحِهِ عَلَى ضَرْعِ شَاتِهَا: «هَذَا صَاحِبُ قُرَيْشٍ» ، أَيْ صَاحِبُ الْحَوَادِثِ الْحَادِثَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ.
وَإِيثَارُ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِوَصْفِ صاحِبُكُمْ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ بُهْتَانٍ إِذْ نَسَبُوا إِلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ مَعَ شِدَّةِ اطِّلَاعِهِمْ على أَحْوَاله وشؤونه إِذْ هُوَ بَيْنَهُمْ فِي بَلَدٍ لَا تَتَعَذَّرُ فِيهِ إِحَاطَةُ
عِلْمِ أَهْلِهِ بِحَالِ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مَقْصُودٍ مِنْ بَيْنِهِمْ. وَوَقَعَ فِي خُطْبَةِ الْحَجَّاجِ بَعْدَ دَيْرِ الْجَمَاجِمِ قَوْلُهُ لِلْخَوَارِجِ «أَلَسْتُمْ أَصْحَابِي بِالْأَهْوَازِ حِينَ رُمْتُمُ الْغَدْرَ وَاسْتَبْطَنْتُمُ الْكُفْرَ» يُرِيدُ أَنَّهُ لَا تَخْفَى عَنْهُ أَحْوَالُهُمْ فَلَا يُحَاوِلُونَ التَّنَصُّلَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ بِالْمُغَالَطَةِ وَالتَّشْكِيكِ.
وَهَذَا رَدٌّ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُشْركين وَإِبْطَال لقَولهم فِي النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: مَجْنُون، وَقَالُوا: سَاحر، وَقَالُوا: شَاعِرٌ، وَقَالُوا فِي الْقُرْآنِ: إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ.
فَالْجُنُونُ مِنَ الضَّلَالِ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَهْتَدِي إِلَى وَسَائِلِ الصَّوَابِ، وَالْكَذِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute