وَالسِّحْرُ ضَلَالٌ وَغَوَايَةٌ، وَالشِّعْرُ الْمُتَعَارَفُ بَيْنِهِمْ غِوَايَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ [الشُّعَرَاء: ٢٢٤] أَيْ يُحَبِّذُونَ أَقْوَالَهُمْ لِأَنَّهَا غِوَايَةٌ.
وَعُطِفَ عَلَى جَوَابِ الْقَسَمِ مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى وَهَذَا وَصْفُ كَمَالٍ لِذَاتِهِ. وَالْكَلَامُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ هُوَ الْقُرْآنُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِيهِ: إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ [الْفرْقَان: ٤] وَقَالُوا:
أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها [الْفرْقَان: ٥] وَذَلِكَ وَنَحْوُهُ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ اخْتِرَاعُهُ أَوِ اخْتِيَارُهُ عَنْ مَحَبَّةٍ لِمَا يَخْتَرِعُ وَمَا يَخْتَارُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا، فَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً، وَمِنْهُ حِكَايَةَ وَاقِعَاتٍ، وَمِنْهُ تَخَيُّلَاتٍ ومفتريات. وَكله ناشىء عَنْ مَحَبَّةِ الشَّاعِرِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، فَأَرَاهُمُ اللَّهُ أَنَّ الْقُرْآنَ دَاعٍ إِلَى الْخَيْرِ.
وَ (مَا) نَافِيَةٌ نَفَتْ أَنْ يَنْطِقَ عَنِ الْهَوَى.
وَالْهَوَى: مَيْلُ النَّفْسِ إِلَى مَا تُحِبُّهُ أَوْ تُحِبُّ أَنْ تَفْعَلَهُ دُونَ أَنْ يَقْتَضِيَهُ الْعَقْلُ السَّلِيمُ الْحَكِيمُ، وَلِذَلِكَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الْهَوَى وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْحَقِّ، وَقَدْ يُحِبُّ الْمَرْءُ الْحَقَّ وَالصَّوَابَ. فَالْمُرَادُ بِالْهَوَى إِذَا أُطْلِقَ أَنَّهُ الْهَوَى الْمُجَرَّدُ عَنِ الدَّلِيلِ.
وَنَفْيُ النُّطْقِ عَنْ هَوًى يَقْتَضِي نَفْيَ جِنْسِ مَا يَنْطِقُ بِهِ عَنِ الِاتِّصَافِ بِالصُّدُورِ عَنْ هَوًى سَوَاءٌ كَانَ الْقُرْآنُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْإِرْشَادِ النَّبَوِيِّ بِالتَّعْلِيمِ وَالْخَطَابَةِ وَالْمَوْعِظَةِ وَالْحِكْمَةِ، وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْمَقْصُودُ لِأَنَّهُ سَبَبُ هَذَا الرَّدِّ عَلَيْهِمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَنْزِيهَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النُّطْقِ عَنْ هَوًى يَقْتَضِي التَّنْزِيهَ عَنْ أَنْ يَفْعَلَ أَوْ يَحْكُمَ عَنْ هَوًى لِأَنَّ التَّنَزُّهَ عَنِ النُّطْقِ عَنْ هَوًى أَعْظَمُ مَرَاتِبِ الْحِكْمَةِ. وَلِذَلِكَ
وَرَدَ فِي صِفَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا»
. وَهُنَا تَمَّ إِبْطَالُ قَوْلِهِمْ فَحَسُنَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى.
وَبَيْنَ هَوى والْهَوى جِنَاسٌ شبه التَّام.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute