لِأَشِعَّةِ الشَّمْسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْدُثَ مِثْلُهَا بِالنِّسْبَةِ لِضَوْءِ الْقَمَرِ عَلَى أَنَّهُ نَادِرٌ جِدًّا وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٧١] .
وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كُسِفَ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: سُحِرَ الْقَمَرُ فَنَزَلَتِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ
الْآيَةَ فَسَمَّاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ كُسُوفًا تَقْرِيبًا لِنَوْعِهِ.
وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يُنَافِي كَوْنَ الِانْشِقَاقِ مُعْجِزَةً لِأَنَّ حُصُولَهُ فِي وَقْتِ سُؤَالِهِمْ مِنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً وَإِلْهَامَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا ذَلِكَ فِي حِينِ تَقْدِيرِ اللَّهِ كَافٍ فِي كَوْنِهِ آيَةَ صِدْقٍ.
أَوْ لِأَنَّ الْوَحْيَ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَتَحَدَّاهُمْ بِهِ قَبْلَ حُصُولِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ إِذْ لَا قِبَلَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْرِفَةِ أَوْقَاتِ ظَوَاهِرِ التَّغَيُّرَاتِ لِلْكَوَاكِبِ. وَبِهَذَا الْوَجْهِ يَظْهَرُ اخْتِصَاصُ ظُهُورِ ذَلِكَ بِمَكَّةَ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْعَالَمِ، وَإِمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا لَمْ يَشْعُرْ بِهِ غَيْرُ أَهْلِ مَكَّة من أهل الْأَرْضِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُتَأَهِّبِينَ إِلَيْهِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ لَيْلًا وَهُوَ وَقْتُ غَفْلَةٍ أَوْ نَوْمٍ وَلِأَنَّ الْقَمَرَ لَيْسَ ظُهُورُهُ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ لِأَهْلِ الْأَرْضِ فَإِنَّ مَوَاقِيتَ طُلُوعِهِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَفِي مُسَامَتَةِ السَّمَاءِ.
قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. وَتَقْدِيرُهُ: انْشَقَّ الْقَمَرُ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الْوُقُوعِ وَإِنْ كَانَ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ لَا يَقْتَضِي تَرْتِيبًا فِي الْوُقُوعِ.
وَانْشَقَّ مُطَاوِعُ شَقَّهُ، وَالشَّقُّ: فَرَجٌ وَتَفَرُّقٌ بَيْنَ أَدِيمِ جِسْمٍ مَا بِحَيْثُ لَا تَنْفَصِلُ قِطْعَةُ مَجْمُوعِ ذَلِكَ الْجِسْمِ عَنِ الْبَقِيَّةِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا تَصَدُّعًا كَمَا يَقَعُ فِي عُودٍ أَوْ جِدَارٍ.
فَإِطْلَاقُ الِانْشِقَاقِ عَلَى حُدُوثِ هُوَّةٍ فِي سَطْحِ الْقَمَرِ إِطْلَاقٌ حَقِيقِيٌّ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى انْطِمَاسِ بَعْضِ ضَوْئِهِ اسْتِعَارَةٌ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى تَفَرُّقِهِ نِصْفَيْنِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ.
وَالِاقْتِرَابُ أَصْلُهُ صِيغَةُ مُطَاوَعَةٍ، أَيْ قَبُولُ فِعْلِ الْفَاعِلِ، وَهُوَ هُنَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْقُرْبِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقُرْبِ فَهُوَ قُرْبٌ اعْتِبَارِيٌّ، أَيْ قُرْبُ حُلُولِ السَّاعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute