اضْمِحْلَالِ هَذَا الْعَالَمِ، وَكَانَ فِعْلُ الْمَاضِي مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَرَأَ وَقَدِ انْشَقَّ الْقَمَرُ.
وَإِنْ كَانَ نُزُولُهَا قَبْلَ حُصُولِ الِانْشِقَاقِ كَمَا اقْتَضَاهُ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَهُوَ إِنْذَارٌ بِاقْتِرَابِ السَّاعَةِ وَانْشِقَاقِ الْقَمَرِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَعَ الْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ الِانْشِقَاقَ سَيَكُونُ مُعْجِزَةً لِمَا يَسْأَلُهُ الْمُشْرِكُونَ. وَيُرَجِّحُ هَذَا الْمَحْمَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى عَقِبَهُ: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [الْقَمَر: ٢] كَمَا سَيَأْتِي هُنَالِكَ.
وَإِذْ قَدْ حَمَلَ مُعْظَمُ السَّلَفِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَمَنْ خَلْفَهُمْ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى أَنَّ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ حَصَلَ قَبْلَ نُزُولِهَا أَوْ بِقُرْبِ نُزُولِهَا فَبِنَا أَنْ نُبَيِّنَ إِمْكَانَ حُصُولِ هَذَا الِانْشِقَاقِ مُسَايِرِينَ لِلِاحْتِمَالَاتِ النَّاشِئَةِ عَنْ رِوَايَاتِ الْخَبَرِ عَنِ الِانْشِقَاقِ إِبْطَالًا لِجَحْدِ الْمُلْحِدِينَ، وَتَقْرِيبًا لِفَهْمِ الْمُصَدِّقِينَ.
فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَدَثَ خَسْفٌ عَظِيمٌ فِي كُرَةِ الْقَمَرِ أَحْدَثَ فِي وَجْهِهِ هُوَّةً لَاحَتْ لِلنَّاظِرِينَ فِي صُورَةِ شَقِّهِ إِلَى نِصْفَيْنِ بَيْنَهُمَا سَوَادٌ حَتَّى يُخَيَّلَ أَنَّهُ مُنْشَقٌّ إِلَى قَمَرَيْنِ، فَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالِانْشِقَاقِ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ لَأَنَّ الْهُوَّةَ انْشِقَاقٌ وَمُوَافِقٌ لِمَرْأَى النَّاسِ لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ كَأَنَّهُ مَشْقُوقٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَلَ فِي الْأُفُقِ بَيْنَ سَمْتِ الْقَمَرِ وَسَمْتِ الشَّمْسِ مُرُورُ جِسْمٍ سَمَاوِيٍّ مِنْ نَحْوِ بَعْضِ الْمِذْنَبَاتِ حَجَبَ ضَوْءَ الشَّمْسِ عَنْ وَجْهِ الْقَمَرِ بِمِقْدَارِ ظِلِّ ذَلِكَ الْجِسْمِ عَلَى نَحْوِ مَا يُسَمَّى بِالْخُسُوفِ الْجُزْئِيِّ، وَلَيْسَ فِي لَفْظِ أَحَادِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مَا يُنَاكِدُ هَذَا.
وَمِنَ الْمُمْكِنِ أَن يكون هَذَا الِانْشِقَاقُ حَدَثًا مُرَكَّبًا مِنْ خُسُوفٍ نِصْفِيٍّ فِي الْقَمَرِ عَلَى عَادَةِ الْخُسُوفِ فَحَجَبَ نِصْفَ الْقَمَرِ، وَالْقَمَرُ عَلَى سَمْتِ أَحَدِ الْجَبَلَيْنِ وَقد حَصَلَ فِي الْجَوِّ سَاعَتَئِذٍ سَحَابٌ مَائِيٌّ انْعَكَسَ فِي بَرِيقِ مَائِهِ صُورَةُ الْقَمَرِ مخسوفا بِحَيْثُ يخاله النَّاظِرُ نِصْفًا آخَرَ مِنَ الْقَمَرِ دُونَ كُسُوفٍ طَالِعًا عَلَى جِهَةِ ذَلِكَ الْجَبَلِ، وَهَذَا مِنْ غَرَائِبِ حَوَادِثِ الْجَوِّ.
وَقَدْ عُرِفَتْ حَوَادِثُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بِالنِّسْبَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute