الْمَفْعُولِ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَيْهِ فِعْلُ الْإِرَادَةِ وَفِعْلُ مَادَّةِ الْأَمْرِ بِنَفْسِهِ دُونَ حَرْفِ الْجَرِّ وَلَكِنْ كَثُرَ فِي الْكَلَامِ تَعْدِيَتُهُ بِاللَّامِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ [الصَّفّ: ٨] قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : أَصْلُهُ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ [الزمر: ١٢] وَالْفِعْلُ الَّذِي بَعْدَ اللَّامِ مَنْصُوبٌ بِأَنْ ظَاهِرَةً أَوْ مُقَدَّرَةً.
وَالْمَعْنَى: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَأَنْ تُكَبِّرُوا اللَّهَ، وَإِكْمَالُ الْعِدَّةِ يَحْصُلُ بِقَضَاءِ الْأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَهَا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ لِيَأْتِيَ بِعِدَّةِ أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ كَامِلَةً، فَإِنَّ فِي تِلْكَ الْعِدَّةِ حِكْمَةً تَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا، فَبِالْقَضَاءِ حَصَلَتْ حِكْمَةُ التَّشْرِيعِ وَبِرُخْصَةِ الْإِفْطَارِ لِصَاحِبِ الْعُذْرِ حَصَلَتْ رَحْمَةُ التَّخْفِيفِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: (وَلِتُكْمِلُوا) بِسُكُونِ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ مُضَارِعُ أَكْمَلَ وَقَرَأَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَيَعْقُوبَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مُضَارِعُ كَمَّلَ.
وَقَوْلُهُ: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، وَهَذَا يَتَضَمَّنُ تَعْلِيلًا وَهُوَ فِي مَعْنَى عِلَّةٍ غَيْرِ مُتَضَمِّنَةٍ لِحِكْمَةٍ وَلَكِنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِمَقْصِدِ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَنْ يُكَبِّرُوهُ.
وَالتَّكْبِيرُ تَفْعِيلٌ مُرَادٌ بِهِ النِّسْبَةُ وَالتَّوْصِيفُ أَيْ أَنْ تَنْسِبُوا اللَّهَ إِلَى الْكِبَرِ وَالنِّسْبَةُ هُنَا نِسْبَةٌ بِالْقَوْلِ اللِّسَانِيِّ، وَالْكِبَرُ هُنَا كِبَرٌ مَعْنَوِيٌّ لَا جِسْمِيٌّ فَهُوَ الْعَظَمَةُ وَالْجَلَالُ وَالتَّنْزِيهُ عَنِ النَّقَائِصِ كُلِّهَا، أَيْ لِتَصِفُوا اللَّهَ بِالْعَظَمَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَقُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَالتَّفْعِيلُ هُنَا مَأْخُوذٌ مِنْ فِعْلٍ الْمَنْحُوتِ مِنْ قَوْلٍ يَقُولُهُ، مِثْلَ قَوْلِهِمْ: بَسْمَلَ وَحَمْدَلَ وَهَلَّلَ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ، أَيْ لِتَقُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَهِيَ جُمْلَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ عَظِيمٍ فِي الْوَاقِعِ كَالْحُكَمَاءِ وَالْمُلُوكِ وَالسَّادَةِ وَالْقَادَةِ، وَمِنْ كُلِّ عَظِيمٍ فِي الِاعْتِقَادِ كَالْآلِهَةِ الْبَاطِلَةِ، وَإِثْبَاتُ الْأَعْظَمِيَّةِ لِلَّهِ فِي كَلِمَةِ (اللَّهُ أَكْبَرُ) كِنَايَةٌ عَنْ وَحْدَانِيَّتِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ، لِأَنَّ التَّفْضِيلَ يَسْتَلْزِمُ نُقْصَانَ مَنْ عَدَاهُ وَالنَّاقِصُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْإِلَهِيَّةِ، لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا لَا تُلَاقِي شَيْئًا مِنَ النَّقْصِ، وَلِذَلِكَ شُرِعَ التَّكْبِيرُ فِي الصَّلَاة لإبطال السُّجُود لغير الله، وَشرع التَّكْبِير عِنْد نحر الْبدن فِي الْحَج لإبطال مَا كَانُوا يَتَقَرَّبُون بِهِ إِلَى أصنامهم، وَكَذَلِكَ شرع التَّكْبِيرُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الصِّيَامِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَضَتِ السُّنَّةُ بِأَنْ يُكَبِّرَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ الْخُرُوجِ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ وَيُكَبِّرَ الْإِمَامُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute