وَفِي لَفْظِ التَّكْبِيرِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الصِّيَامِ خُصُوصِيَّةٌ جَلِيلَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَتَزَلَّفُونَ إِلَى آلِهَتِهِمْ بِالْأَكْلِ وَالتَّلْطِيخِ بِالدِّمَاءِ، فَكَانَ لِقَوْلِ الْمُسْلِمِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ يُعْبَدُ بِالصَّوْمِ وَأَنَّهُ مُتَنَزِّهٌ عَنْ ضَرَاوَةِ الْأَصْنَامِ.
وَقَوْلُهُ: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ تَعْلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ مَضْمُونِ جُمْلَةِ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ فَإِنَّ التَّكْبِيرَ تَعْظِيمٌ يَتَضَمَّنُ شُكْرًا وَالشُّكْرُ أَعَمُّ، لِأَنَّهُ يَكُونُ بِالْأَقْوَالِ الَّتِي فِيهَا تَعْظِيمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَيَكُونُ بِفِعْلِ الْقُرْبِ مِنَ الصَّدَقَاتِ فِي أَيَّامِ الصِّيَامِ وَأَيَّامِ الْفِطْرِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ الشُّكْرِ لُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ يَوْمَ الْفِطْرِ.
وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّكْبِيرِ إِذْ جَعَلَتْهُ مِمَّا يُرِيدُهُ اللَّهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُفَصَّلٍ فِي لَفْظِ التَّكْبِيرِ، وَمُجْمَلٌ فِي وَقْتِ التَّكْبِيرِ وَعَدَدِهِ، وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ الْقَوْلِيَّةُ وَالْفِعْلِيَّةُ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْأَحْوَالِ.
فَأَمَّا لَفْظُ التَّكْبِيرِ فَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ كُلُّ قَوْلٍ فِيهِ لَفْظُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْمَشْهُورُ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ يُكَرِّرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا، وَبِهَذَا أَخَذَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إِذَا شَاءَ الْمَرْءُ زَادَ عَلَى التَّكْبِيرِ تَهْلِيلًا وَتَحْمِيدًا فَهُوَ حَسَنٌ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَإِذَا أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى التَّكْبِيرِ كَبَّرَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ وَاسِعٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُجْزِئُ غَيْرَ ثَلَاثِ تَكْبِيرَاتٍ.
وَأَمَّا وَقْتُهُ: فَتَكْبِيرُ الْفِطْرِ يَبْتَدِئُ مَنْ وَقْتِ خُرُوجِ الْمُصَلِّي مَنْ بَيْتِهِ إِلَى مَحَلِّ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ وَمَنْ خَرَجَ مَعَهُ، فَإِذَا بَلَغَ مَحَلَّ الصَّلَاةِ قَطَعَ التَّكْبِيرَ، وَيُسَنُّ فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ رَكْعَتَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ افْتِتَاحُ الْأُولَى بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ وَالثَّانِيَةِ بِسِتٍّ، هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ مِمَّا ثَبَتَ فِي الْأَخْبَارِ وَعَمِلَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ عهد النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَمَا بَعْدَهُ وَتَلَقَّاهُ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، وَفِيهِ خِلَافٌ كَثِيرٌ لَا فَائِدَةَ فِي التَّطْوِيلِ بِذِكْرِهِ وَالْأَمْرُ وَاسِعٌ، ثُمَّ يُكَبِّرُ الْإِمَامُ فِي خُطْبَةِ صَلَاةِ الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَيُكَبِّرُ مَعَهُ الْمُصَلُّونَ حِينَ تَكْبِيرِهِ وَيُنْصِتُونَ لِلْخُطْبَةِ فِيمَا سِوَى التَّكْبِيرِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالشَّافِعِيُّ: يُكَبِّرُ النَّاسُ مِنْ وَقْتِ اسْتِهْلَالِ هِلَالِ الْفِطْرِ إِلَى انْقِضَاءِ صَلَاةِ الْعِيدِ ثُمَّ يَنْقَطِعُ التَّكْبِيرُ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْفِطْرِ فَهُوَ مَوْرِدُ الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute