التَّفْضِيلِ مَسْلُوبُ الْمُفَاضَلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلَ مَا فِي قَول: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يُوسُف: ٣٣] ، أَيْ حَبِيبٌ إِلَيَّ دُونَ مَا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ.
وَعَبَّرَ بِ الْحُسْنى لِبَيَانِ أَنَّ الدَّرَجَةَ هِيَ دَرَجَةُ الْحُسْنَى لِيَكُونَ لِلِاحْتِرَاسِ مَعْنًى زَائِدٌ
عَلَى التَّأْكِيدِ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنَ الْبَيَانِ.
وَالْحُسْنَى: لَقَبٌ قُرْآنِيٌّ إِسْلَامِيٌّ يَدُلُّ عَلَى خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يُونُس: ٢٦] .
وَقَوْلُهُ: مِنْكُمْ حَالٌ مِنْ مَنْ أَنْفَقَ أَصْلُهُ نَعْتٌ قُدِّمَ لِلِاهْتِمَامِ تَعْجِيلًا بِهَذَا الْوَصْفِ.
وَجِيءَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً دُونَ الضَّمِيرِ لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ الْإِشَارَةُ مِنَ التَّنْوِيهِ وَالتَّعْظِيمِ، وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ جَدِيرُونَ بِمَا يُذْكَرُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ، لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنَ الْإِخْبَارِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة:
٤] بَعْدَ قَوْلِهِ: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [الْبَقَرَة: ٣] إِلَخْ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى بِنَصْبِ كُلًّا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ أَوَّلٌ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاشْتِغَالِ بِالضَّمِيرِ الْمَحْذُوف اختصارا. وقرأه ابْنُ عَامِرٍ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الِاشْتِغَالِ مُتَسَاوِيَانِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي تَفَاضُلِ أَهْلِ الْفَضْلِ فِيمَا فُضِّلُوا فِيهِ، وَأَنَّ الْفَضْلَ ثَابِتٌ لِلَّذِينَ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْفَتْحِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ. وَبِئْسَ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ مِنْ عِبَارَاتٍ تُؤْذِنُ بِتَنْقِيصِ مَنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْفَتْحِ مِنْ قُرَيْشٍ مِثْلِ كَلِمَةِ «الطُّلَقَاءِ» وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ حَزَازَاتٍ فِي النُّفُوسِ قَبَلِيَّةٍ أَوْ حِزْبِيَّةٍ، وَاللَّهُ يَقُولُ: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: ١١] .
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ تَذْيِيلٌ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَسْبَابَ الْإِنْفَاقِ وَأَوْقَاتِهِ وَأَعْذَارِهِ، وَيَعْلَمُ أَحْوَالَ الْجِهَادِ وَنَوَايَا الْمُجَاهِدِينَ فَيُعْطِي كُلَّ عَامِلٍ عَلَى نِيَّة عمله.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute