وَ (مَنْ أَنْفَقَ) عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ مَنْ أَنْفَقَ. وَقِيلَ: أُرِيدَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَإِنَّهُ أَنْفَقَ مَالَهُ كُلَّهُ مِنْ أَوَّلِ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ.
وَنَفْيُ التَّسْوِيَةِ مُرَادٌ بِهِ نَفْيُهَا فِي الْفَضِيلَةِ وَالثَّوَابِ فَإِنَّ نَفْيَ التَّسْوِيَةِ فِي وَصْفٍ يَقْتَضِي ثُبُوتَ أَصْلِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِجَمِيعِ مَنْ نُفِيَتْ عَنْهُمُ التَّسْوِيَةُ، فَنَفْيُ التَّسْوِيَةِ كِنَايَةٌ عَنْ تَفْضِيل أحد جانبين وَتَنْقِيصِ الْجَانِبِ الْآخَرِ نَقْصًا مُتَفَاوِتًا.
وَيُعْرَفُ الْجَانِبُ الْفَاضِلُ وَالْجَانِبُ الْمَفْضُولُ بِالْقَرِينَةِ أَوِ التَّصْرِيحِ فِي الْكَلَامِ، وَلَيْسَ تَقْدِيمُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فِي الذِّكْرِ بَعْدَ نَفْيِ التَّسْوِيَةِ بُمَقْتَضٍ أَنَّهُ هُوَ الْمُفَضَّلُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
لَا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ [النِّسَاء: ٩٥] وَقَدَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ الْجَانِبَ الْمُفَضَّلَ، وَكَذَا الَّذِي فِي قَوْلِ السَّمَوْأَلِ:
فَلَيْسَ سَوَاءً عَالِمٌ وَجَهُولُ وَقَدْ أَكَّدَ هَذَا الِاقْتِضَاءَ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا، أَيْ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ، فَإِنَّ اسْمَ التَّفْضِيلِ يَدُلُّ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِيمَا اشْتُقَّ مِنْهُ اسْمُ التَّفْضِيلِ وَزِيَادَةِ مَنْ أُخْبِرَ عَنْهُ بِاسْمِ التَّفْضِيلِ فِي الْوَصْفِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، أَيْ فَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ لَهُ دَرَجَةٌ عَظِيمَةٌ.
وَحُذِفَ قِسْمُ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ إِيجَازًا لِدَلَالَةِ فِعْلِ التَّسْوِيَةِ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ.
وَالتَّقْدِيرُ: لَا يَسْتَوِي مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَمَنْ أَنْفَقَ بَعْدَهُ.
وَالدَّرَجَةُ: مُسْتَعَارَةٌ لِلْفَضْلِ لِأَنَّ الدَّرَجَةَ تَسْتَلْزِمُ الِارْتِقَاءَ، فَوَصْفُ الِارْتِقَاءِ مُلَاحَظٌ فِيهَا، ثُمَّ يُشَبَّهُ الْفَضْلُ وَالشَّرَفُ بِالِارْتِقَاءِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالدَّرَجَةِ، فَالدَّرَجَةُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي لُوحِظَتْ فِيهَا صِفَاتُ أَوْصَافٍ مِثْلَ اسْمِ الْأَسَدِ بِصِفَةِ الشَّجَاعَةِ فِي قَوْلِ الْخَارِجِيِّ:
أَسَدٌ عَلَيَّ وَفِي الْحُرُوبِ نَعَامَةٌ وَقَوْلُهُ: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى احْتِرَاسٌ مِنْ أَنْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ اسْمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute