للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (انْظُرُونا) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ مَضْمُومًا، مِنْ نَظَرَهُ، إِذَا انْتَظَرَهُ مِثْلَ نَظَرَ، إِذَا أَبْصَرَ، إِلَّا أَنَّ نَظَرَ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ يَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ، وَنَظَرَ بِمَعْنَى أَبْصَرَ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ (إِلَى) قَالَ

تَعَالَى: وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها [الْبَقَرَة: ٢٥٩] .

والانتظار: التَّرَيُّثُ بِفِعْلٍ مَا، أَيْ تَرَيَّثُوا فِي سَيْرِكُمْ حَتَّى نَلْحَقَ بِكُمْ فَنَسْتَضِيءَ بِالَّنُورِ الَّذِي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَبِجَانِبِكُمْ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ يَأْذَنُ لِلْمُؤْمِنِينَ الْأَوَّلِينَ بِالسَّيْرِ إِلَى الْجَنَّةِ فَوْجًا، وَيَجْعَلُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَدِينَةِ سَائِرِينَ وَرَاءَهُمْ كَمَا

وَرَدَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ «وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا»

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَسِيرُونَ فِي ظُلُمَاتٍ فَيَسْأَلُ الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْتَظِرُوهُمْ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ انْظُرُونا بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَضَمِّ الظَّاءِ، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَحْدَهُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَكَسْرِ الظَّاءِ، مِنْ أَنْظَرَهُ، إِذَا أَمْهَلَهُ، أَيْ أَمْهِلُونَا حَتَّى نَلْحَقَ بِكُمْ وَلَا تُعَجِّلُوا السَّيْرَ فَيَنْأَى نُورُكُمْ عَنَّا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّ بُعْدَهُمْ عَنْهُمْ مِنْ جَرَّاءِ السُّرْعَةِ.

وَالْاقْتِبَاسُ حَقِيقَتُهُ: أَخْذُ الْقَبَسِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ الجذوة من الْحمر. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: وَمَجِيءُ فَعَلْتُ وَافْتَعَلْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَثِيرٌ كَقَوْلِهِمْ: شَوَيْتُ وَاشْتَوَيْتُ، وَحَقَرْتُ وَاحْتَقَرْتُ. قُلْتَ: وَكَذَلِكَ حَفَرْتُ وَاحْتَفَرْتُ، فَيَجُوزُ أَنْ يكون إِطْلَاق تقتبس هُنَا حَقِيقَةً بِأَنْ يَكُونُوا ظَنُّوا أَنَّ النُّورَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ نُورُ شُعْلَةٍ وَحَسِبُوا أَنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَأْخُذُوا قَبَسًا مِنْهُ يُلْقَى ذَلِكَ فِي ظَنِّهِمْ لِتَكُونَ خَيْبَتُهُمْ أَشَدَّ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ الِاقْتِبَاسُ لِانْتِفَاعِ أَحَدٍ بِضَوْءِ آخَرَ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاقْتِبَاسَ فِي الِانْتِفَاعِ بِالضَّوْءِ بِدُونِ عِلَاجٍ فَمَعْنَى نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ نُصِبْ مِنْهُ ونلتحق بِهِ فنستبر بِهِ.

وَيَظْهَرُ مِنْ إِسْنَادِ قِيلَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَنَّ قَائِلَهُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخَاطَبِينَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ السَّائِقِينَ لِلْمُنَافِقِينَ.

وَتَكُونُ مَقَالَةُ الْمَلَائِكَةُ لِلْمُنَافِقِينَ تَهَكُّمًا إِذْ لَا نُورَ وَرَاءَهُمْ وَإِنَّمَا أَرَادُوا إِطْمَاعَهُمْ