للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْفُسِهِمْ خَوَاطِرُ خَيْرٍ مِنْ إِيمَانٍ وَمَحَبَّةٍ لِلْمُؤْمِنِينَ نَقَضُوهَا بِخَوَاطِرِ الْكُفْرِ وَالْبَغْضَاءِ، وَهَذَا مِنْ صُنْعِ أَنْفُسِهِمْ فَإِسْنَادُ الْفِتَنِ إِلَيْهِمْ إِسْنَادٌ حَقِيقِيٌّ، وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي أَعْمَالِهِمْ مِنْ صَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ.

وَهَذَا ينشأ عَنهُ الْكَذِبِ، وَالْخِدَاعِ، وَالْاسْتِهْزَاءِ، وَالطَّعْنِ فِي الْمُسْلِمِينَ، قَالَ تَعَالَى:

يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [النِّسَاء: ٦٠] .

الثَّانِي: التَّرَبُّصُ، وَالتَّرَبُّصُ: انْتِظَارُ شَيْءٍ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ [الْبَقَرَة: ٢٢٨] الْآيَةَ.

وَيَتَعَدَّى فِعْلُهُ إِلَى الْمَفْعُولِ بِنَفْسِهِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ مَا زَادَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِالْبَاءِ. وَحَذَفَ هُنَا مَفْعُولَهُ وَمُتَعَلِّقَهُ لِيَشْمَلَ عِدَّةَ الْأُمُورِ الَّتِي يَنْتَظِرُهَا الْمُنَافِقُونَ فِي شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ كَثِيرَةٌ مَرْجِعُهَا إِلَى أَذَى الْمُسلمين وَالْإِضْرَارِ بِهِمْ فَيَتَرَبَّصُونَ هَزِيمَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْغَزَوَاتِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ، قَالَ تَعَالَى فِي بَعْضِهِمْ: وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ [التَّوْبَة: ٩٨] ، وَيَتَرَبَّصُونَ انْقِسَامَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ قَالُوا لِفَرِيقٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُنَدِّمُونَهُمْ عَلَى مَنْ قُتِلَ مِنْ قَوْمِهِمْ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ لَوْ أَطاعُونا مَا قُتِلُوا [آل عمرَان: ١٦٨] .

الثَّالِثُ: الِارْتِيَابُ فِي الدِّينِ وَهُوَ الشَّكُّ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَوْ عَلَى الْكَافِرِينَ وَيَنْشَأُ عَنْهُ الْقُعُودُ عَنِ الْجِهَادِ قَالَ تَعَالَى: فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ [التَّوْبَة: ٤٥] وَلِذَلِكَ كَانُوا لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآجَالِ، وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ: لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا [آل عمرَان: ١٥٦] .

الرَّابِعُ: الْغُرُورُ بِالْأَمَانِيِّ، وَهِيَ جَمْعُ أُمْنِيَّةٍ وَهِيَ اسْمُ التَّمَنِّي. وَالْمُرَادُ بِهَا مَا كَانُوا يُمَنُّونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّ انْتِصَارَ الْمُؤْمِنِينَ عَرَضٌ زَائِلٌ، وَأَنَّ الْحَوَادِثَ تَجْرِي عَلَى رَغْبَتَهِمْ وَهَوَاهُمْ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [المُنَافِقُونَ: ٨]

وَقَوْلُهُمْ: لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ [آل عمرَان: ١٦٧] وَلِذَلِكَ يَحْسَبُونَ أَنَّ الْعَاقِبَةَ لَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا [المُنَافِقُونَ: ٧] . وَقَدْ بَيَّنْتُ الْخِصَالَ الَّتِي تَتَوَلَّدُ عَلَى النِّفَاقِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَطَبِّقْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأُصُولَ الْأَرْبَعَةَ وَأَلْحِقْ فُرُوعَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ.

وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْغَايَةِ بِ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ التَّنْدِيدُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْعَوُوا عَنْ