وَ (مِنْ) بِمَعْنَى (فِي) كَالَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الْجُمُعَةِ: ٩] فَتَكُونُ نَظِيرَ قَوْلِهِ: باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ.
وَالْعَذَابُ: هُوَ حَرْقُ جَهَنَّمَ فَإِنَّ جَهَنَّمَ دَارُ عَذَابٍ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً [الْفرْقَان: ٦٥] .
وَجُمْلَةُ يُنادُونَهُمْ حَالٌ مِنْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ.
وَضَمَائِرُ يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى تُعْرَفُ مَرَاجِعُهَا مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ:
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ الْآيَة.
وأَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ، اسْتُعْمِلَ كِنَايَةً عَنْ طَلَبِ اللَّحَاقِ بِهِمْ وَالْانْضِمَامِ إِلَيْهِمْ كَمَا كَانُوا مَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ أَعْمَالَ الْإِسْلَامِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَالْمَعِيَّةُ أُطْلِقَتْ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي أَعْمَالِ الْإِسْلَامِ مِنْ نُطْقٍ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَإِقَامَةِ عِبَادَاتِ الْإِسْلَامِ، تَوَهَّمُوا أَنَّ الْمُعَامَلَةَ فِي الْآخِرَةِ تَجْرِي كَمَا تَجْرِي الْمُعَامَلَةُ فِي الدُّنْيَا عَلَى حَسَبِ صُوَرِ الْأَعْمَالِ، وَمَا دَرَوْا أَنَّ الصُّوَرَ مُكَمِّلَاتٌ وَأَنَّ قِوَامَهَا إِخْلَاصُ الْإِيمَانِ وَهَذَا الْجَوَابُ إِقْرَارٌ بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ أَعْمَالَهُمْ مَعَهُمْ.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْإِقْرَارُ يُوهِمُ أَنَّهُ قَوْلٌ بِمُوجَبِ الِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ أَعْقَبُوا جَوَابَهُمُ
الْإِقْرَارِيَ بِالِاسْتِدْرَاكِ الرَّافِعِ لِمَا تَوَهَّمَهُ الْمُنَافِقُونَ مِنْ أَنَّ الْمُوَافَقَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي أَعْمَالِ الْإِسْلَامِ تَكْفِي فِي الْتِحَاقِهِمْ بِهِمْ فِي نَعِيمِ الْجَنَّةِ فَبَيَّنُوا لَهُمْ أَسْبَابَ التَّبَاعُدِ بَيْنَهُمْ بِأَنَّ بَاطِنَهُمْ كَانَ مُخَالِفًا لِظَاهِرِهِمْ.
وَذَكَرُوا لَهُمْ أَرْبَعَةَ أُصُولٍ هِيَ أَسْبَابُ الْخُسْرَانِ، وَهِيَ: فِتْنَةُ أَنْفُسِهِمْ، وَالتَّرَبُّصُ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَالْارْتِيَابُ فِي صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْاغْتِرَارُ بِمَا تُمَوِّهُ إِلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ.
وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ هِيَ أُصُولُ الْخِصَالِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَلَى النِّفَاقِ.
الْأَوَّلُ: فِتْنَتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ، أَيْ عَدَمُ قَرَارِ ضَمَائِرِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ، فَكَأَنَّ الِاضْطِرَابَ وَعَدَمَ الِاسْتِقْرَارِ خُلُقٌ لَهُمْ فَإِذَا خَطَرَتْ فِي