للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

احْتِرَاسٌ، وَمَجْمُوعُ الْجُمَلِ الثَّلَاثِ اسْتِطْرَادٌ وَاعْتِرَاضٌ.

وَالْاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ: إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ وَجُمْلَةِ فَما رَعَوْها.

وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَالْاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ يَشْمَلُهُ حُكْمُ الْعَامِلِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَشْمَلْهُ لَفْظُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ مُنْقَطِعًا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْ مَدْلُولِ الِاسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَلَيْسَ مُنْقَطِعًا عَنْ عَامِلِهِ، فَالْاسْتِثْنَاءُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ مَعْمُولًا فِي الْمَعْنَى لِفِعْلِ كَتَبْناها فَالْمَعْنَى: لَكِنْ كَتَبْنَا عَلَيْهِمُ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ، أَيْ أَنْ يَبْتَغُوا رِضْوَانَ اللَّهِ بِكُلِّ عَمَلٍ لَا خُصُوصَ الرَّهْبَانِيَّةِ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا، أَيْ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّفْهُمْ بِهَا بِعَيْنِهَا.

وَقَوْلُهُ: إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا لِتَكْلِيفِ اللَّهِ بِهَا وَلَوْ فِي عُمُومِ مَا يَشْمَلُهَا، أَيْ لَيْسَتْ مِمَّا يَشْمَلُهُ الْأَمْرُ بِرِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يُرْضُونَ اللَّهَ بِهَا.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا لِبَعْضِ أَحْوَالِ كِتَابَةِ التَّكَالِيفِ عَلَيْهِمْ وَهِيَ كِتَابَةُ الْأَمْرِ بِهَا بِعَيْنِهَا فَتَكُونُ الرَّهْبَانِيَّةُ مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ رِضْوَانُ اللَّهِ، أَيْ كَتَبُوهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ تَحْقِيقًا لِمَا فِيهِ رِضْوَانُ اللَّهِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ [آل عمرَان:

٩٣] ،

وَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ»

فِي قِصَّةِ ذَبْحِ الْبَقَرَةِ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ.

وَانْتَصَبَ ابْتِغاءَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِفِعْلِ كَتَبْناها، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ بَعْدَ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ، أَيْ لَكِنَّهُمُ ابْتَدَعُوهَا لْابْتِغَاءِ رِضْوَانِ اللَّهِ.

وَفِي الْآيَةِ عَلَى أَظْهَرِ الِاحْتِمَالَيْنِ إِشَارَةٌ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ وَهُوَ إِثْبَاتُ الْعِلَّةِ فِي آحَادِ جُزْئِيَّاتِهَا وَإِثْبَاتُ الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي صُوَرِهَا.

وَفِيهَا حُجَّةٌ لِانْقِسَامِ الْبِدْعَةِ إِلَى مَحْمُودَةٍ وَمَذْمُومَةٍ بِحَسَبِ انْدِرَاجِهَا تَحْتَ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَتَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ كَمَا حَقَّقَهُ الشِّهَابُ الْقَرَافِيُّ وَحُذَّاقُ الْعُلَمَاءِ.

وَأَمَّا الَّذِينَ حَاوَلُوا حَصْرَهَا فِي الذَّمِّ فَلَمْ يَجِدُوا مَصْرِفًا. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ لَمَّا جُمِعَ النَّاسُ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ «نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ» .