للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انْقَطَعَ ذَلِكَ بِالْإِسْلَامِ. وَلِذَلِكَ عَلَّقَ بِفِعْلِ يَعُودُونَ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمْ لَفْظَ الظِّهَارِ.

وَالْعَوْدُ: الرُّجُوعُ إِلَى شَيْءٍ تَرَكَهُ وَفَارَقَهُ صَاحِبُهُ. وَأَصْلُهُ: الرُّجُوعُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي

غَادَرَهُ، وَهُوَ هُنَا عَوْدٌ مَجَازِيٌّ.

وَمَعْنَى يَعُودُونَ لِما قالُوا يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ يَعُودُونَ لِمَا نَطَقُوا بِهِ مِنَ الظِّهَارِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُظَاهِرَ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إِلَّا إِذَا صَدَرَ مِنْهُ لَفْظُ الظِّهَارِ مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ أُولَى.

وَبِهَذَا فَسَّرَ الْفَرَّاءُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِحَيْثُ يَكُونُ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ مَرَّةً أُولَى مَعْفُوًّا عَنْهُ. غَيْرَ أَنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ فِي قَضِيَّةِ الْمُجَادِلَةِ يَدْفَعُ هَذَا الظَّاهِر لِأَن

النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ: «أَعْتِقْ رَقَبَةً»

كَمَا سَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ التَّكْفِيرَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُظَاهِرِ مِنْ أول مرّة ينْطَلق فِيهَا بِلَفْظِ الظِّهَارِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْعَوْدَ إِلَى أَزْوَاجِهِمْ، أَيْ لَا يُحِبُّونَ الْفِرَاقَ وَيَرُومُونَ الْعَوْدَ إِلَى الْمُعَاشَرَةِ. وَهَذَا تَأْوِيلٌ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ عَدَا دَاوُدَ الظَّاهِرِيَّ وَبُكَيْرَ بْنَ الْأَشَجِّ وَأَبَا الْعَالِيَةَ. وَفِي «الْمُوَطَّأِ» قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا قَالَ سَمِعْتُ: أَنَّ تَفْسِيرَ ذَلِكَ أَنْ يُظَاهِرَ الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يُجْمِعُ عَلَى إِصَابَتِهَا وَإِمْسَاكِهَا فَإِنْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُجْمِعْ بَعْدَ تَظَاهُرِهِ مِنْهَا عَلَى إِمْسَاكِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

وَأَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَاللَّيْثِ تَحُومُ حَوْلَ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى اخْتِلَافٍ فِي التَّعْبِيرِ لَا نُطِيلُ بِهِ.

وَعَلَيْهِ فَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِعْلُ يَعُودُونَ فِي إِرَادَةِ الْعَوْدَةِ كَمَا اسْتُعْمِلَ فِعْلٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى إِرَادَةِ الْعَوْدِ وَالْعَزْمِ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْعَوْدِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَوْدًا بِالْفِعْلِ لَمْ يكن لاشْتِرَاط التفكير قَبْلَ الْمَسِيسِ مَعْنًى، فَانْتَظَمَ مِنْ هَذَا مَعْنَى: ثُمَّ يُرِيدُونَ الْعَوْدَ إِلَى مَا حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَعَلَيْهِمْ كَفَّارَةٌ قَبْلَ أَنْ يَعُودُوا إِلَيْهِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [الْمَائِدَة: ٦] أَيْ إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ، وَقَوْلِهِ: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النَّحْل: ٩٨] ،

وَقَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ»

.