للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتِلْكَ هِيَ قَضِيَّةُ سَبَبِ النُّزُولِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَا جَاءَتْ مُجَادِلَةً إِلَّا لِأَنَّهَا عَلِمَتْ أَنَّ زَوْجَهَا الْمُظَاهِرَ مِنْهَا لَمْ يُرِدْ فِرَاقَهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ

الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ فَجِئْتُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْكُو إِلَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ يُجَادِلُنِي وَيَقُولُ: اتَّقِي اللَّهَ. فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ؟ فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ. فَقَالَ: «يُعْتِقُ رَقَبَةً» . قَالَتْ: لَا يَجِدُ. قَالَ: «فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ

مُتَتَابِعَيْنِ» . قَالَتْ: إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ. قَالَ: «فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» . قَالَتْ: مَا عِنْدَهُ شَيْءٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ. فَأَتَى سَاعَتَئِذٍ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ. قَالَ: «قَدْ أَحْسَنْتِ اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهِمَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَارْجِعِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ»

. قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي هَذَا: إِنَّهَا كَفَّرَتْ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْتَأْمِرَهُ.

وَالْمُرَادُ «بِمَا قَالُوا» مَا قَالُوا بِلَفْظِ الظِّهَارِ وَهُوَ مَا حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ الْمُفَادِ مِنْ لَفْظِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، لِأَنَّ: أَنْتِ عَلَيَّ. فِي مَعْنَى: قُرْبَانِكِ وَنَحْوِهِ عَلَيَّ كَمِثْلِهِ مِنْ ظَهْرِ أُمِّي. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ [مَرْيَم: ٨٠] ، أَيْ مَالًا وَوَلَدًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً [مَرْيَم: ٧٧] ، وَقَوْلِهِ: قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ [آل عمرَان: ١٨٣] أَيْ قَوْلُكُمْ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ. فَفِعْلُ الْقَوْلِ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ نَاصِبٌ لِمُفْرَدٍ لوُقُوعه فِي خلاف جُمْلَةٍ مَقُولَةٍ، وَإِيثَارُ التَّعْبِيرِ عَنِ الْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ التَّحْرِيمُ لَهُ. فَلَفْظُ الظِّهَارِ بِالْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ هَذِهِ إِيجَازٌ وَتَنْزِيهٌ لِلْكَلَامِ عَنِ التَّصْرِيحِ بِهِ.

فَالْمَعْنَى: ثُمَّ يَرُومُونَ أَنْ يَرْجِعُوا لِلِاسْتِمْتَاعِ بِأَزْوَاجِهِمْ بَعْدَ أَنْ حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.

وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا أَنَّ مَنْ لَمْ يُرِدِ الْعَوْدَ إِلَى امْرَأَتِهِ لَا يَخْلُو حَالَهُ: فَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ طَلَاقَهَا فَلَهُ أَنْ يُوَقِّعَ عَلَيْهَا طَلَاقًا آخَرَ لِأَنَّ اللَّهَ أَبْطَلَ أَنْ يَكُونَ الظِّهَارُ طَلَاقًا، وَإِمَّا أَنْ لَا يُرِيدَ طَلَاقًا وَلَا عَوْدًا. فَهَذَا قَدْ صَارَ مُمْتَنِعًا مِنْ مُعَاشَرَةِ زَوْجِهِ مُضِرًّا بِهَا فَلَهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [الْبَقَرَة: ٢٢٦] الْآيَةَ. وَقَدْ كَانُوا يَجْعَلُونَ الظِّهَارَ إِيلَاءً كَمَا فِي قِصَّةِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ.

ثُمَّ الزُّرَقِيِّ فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: «كُنْتُ امْرَأً أُصِيبُ مِنَ النِّسَاءِ مَا لَا يُصِيبُ غَيْرِي فَلَمَّا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ خِفْتُ أَنْ أُصِيبَ مِنِ امْرَأَتِي شَيْئًا يُتَايِعُ بِي (بِتَحْتِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ تَحْتِيَّةٍ، وَالظَّاهِرُ