للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى تَعْجِيبِيٌّ مُرَادٌ بِهِ تَوْبِيخُهُمْ حِينَ يَسْمَعُونَهُ.

وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ بِقَرِينَةِ تَعْدِيَتِهَا بِحَرْفِ إِلَى.

وَالتَّعْرِيفُ فِي النَّجْوى تَعْرِيفُ الْعَهْدِ لِأَنَّ سِيَاق الْكَلَام فِي نَوْعٍ خَاصٍّ مِنَ النَّجْوَى. وَهِيَ النَّجْوَى الَّتِي تُحْزِنُ الَّذِينَ آمنُوا كَمَا ينبىء عَنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة: ١٠] .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ جِنْسِ النَّجْوَى فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَعُمُّ كُلَّ نَجْوَى بِمَرْأًى مِنَ النَّاسِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، قَالَ الْبَاجِيُّ فِي «الْمُنْتَقَى» : رُوِيَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَنَاجِي اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ دُونَ وَاحِدٍ أَنَّهُ كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا فَشَا الْإِسْلَامُ وَآمَنَ النَّاسُ زَالَ هَذَا الْحُكْمُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ» عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ الْآيَةَ [١١٤] فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ بِأَمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ: أَحَدُهُمَا:

الْإِخْلَاصُ وَهُوَ أَنْ يَسْتَوِيَ ظَاهِرُ الْمَرْءِ وَبَاطِنُهُ، وَالثَّانِي: النَّصِيحَةُ لِكِتَابِ اللَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ، فَالنَّجْوَى خِلَافُ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ وَبَعْدَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ لِلْخَلْقِ مِنْ أَمْرٍ يَخْتَصُّونَ بِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَيَخُصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَرخص فِي ذَلِكَ بِصَفَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالصَّدَقَةِ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ اه.

وَفِي «الْمُوَطَّأِ» حَدِيثٌ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ» . زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ»

. وَاخْتَلَفَ فِي مَحْمَلِ هَذَا النَّهْيِ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَجُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْقَبَسِ» : فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ مَخَافَةَ أَنْ يُحْزِنَهُ مِنْ قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِ انْحَسَمَ التَّأْوِيلُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا يَتَنَاجَى أَرْبَعَةٌ دُونَ وَاحِدٍ. وَأما تناجي الْجَمَاعَة دُونَ جَمَاعَةٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا مَكْرُوهٌ أَوْ مُحَرَّمٌ اه. وَحَكَى النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ تَنَاجِي جَمَاعَةٍ دُونَ جَمَاعَةٍ وَاحْتَجَّ لَهُ ابْنُ التِّينِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ (يَعْنِي النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ فِي مَلَأٍ فَسَارَرْتُهُ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ دَالٌّ عَلَى الْجَوَازِ.