للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمُتَنَاجِيَيْنِ فِي حَالِ تَنَاجِيهِمَا.

وَأُلْحِقَ بِالتَّنَاجِي أَنْ يَتَكَلَّمَ رَجُلَانِ بِلُغَةٍ لَا يَعْرِفُهَا ثَالِثٌ مَعَهُمَا.

وَالْقَوْلُ فِي اسْتِعْمَالِ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ وَتَعْدِيَتِهِ بِاللَّامِ نَظِيرُ الْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا [المجادلة: ٣] .

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَوْقِعِ ثُمَّ عَاطِفَةِ الْجُمْلَةِ.

وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ فِي يَعُودُونَ دَالَّةٌ عَلَى التَّجَدُّدِ، أَيْ يُكَرِّرُونَ الْعَدَدَ بِحَيْثُ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ الْعِصْيَانَ وَقِلَّةَ الِاكْتِرَاثِ بِالنَّهْيِ فَإِنَّهُمْ لَوْ عَادُوا إِلَى النَّجْوَى مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَاحْتَمَلَ حَالُهُمْ أَنَّهُمْ نَسُوا.

وَ «لِما نُهُوا عَنْهُ» هُوَ النَّجْوَى، فَعَدَلَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِضَمِيرِ النَّجْوَى إِلَى الْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ الصِّلَةُ مِنَ التَّعْلِيلِ لِمَا بَعْدَهَا مِنَ الْوَعِيدِ بِقَوْلِهِ: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ عَلَى مَا فِي الصِّلَةِ مِنَ التَّسْجِيلِ عَلَى سَفَهِهِمْ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَتَناجَوْنَ بِصِيغَةِ التَّفَاعُلِ مِنْ نَاجَى الْمَزِيدِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَرُوَيْسٌ وَيَعْقُوبُ وَيَنْتَجُونَ بِصِيغَةِ الِافْتِعَالِ مِنْ نَجَا الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ أَيْ سَارَّ غَيْرَهُ، وَالِافْتِعَالُ يَرِدُ بِمَعْنَى الْمُفَاعَلَةِ مِثْلِ اخْتَصَمُوا وَاقْتَتَلُوا.

وَالْإِثْمُ: الْمَعْصِيَةُ وَهُوَ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ تَنَاجِيهِمْ مِنْ كَلَامِ الْكُفْرِ وَذَمِّ الْمُسْلِمِينَ.

والْعُدْوانِ بِضَمِّ الْعَيْنِ: الظُّلْمُ وَهُوَ مَا يُدَبِّرُونَهُ مِنَ الْكَيْدِ لِلْمُسْلِمِينَ.

وَمَعْصِيَةُ الرَّسُولِ مُخَالَفَةُ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنِ النَّجْوَى وَهُمْ يعودون لَهَا.

وَالْيَاء لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ يَتَنَاجَوْنَ مُلَابِسِينَ الْإِثْمَ وَالْعُدْوَانَ وَمَعْصِيَةَ الرَّسُولِ وَهَذِهِ الْمُلَابَسَةُ مُتَفَاوِتَةٌ. فَمُلَابَسَةُ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ مُلَابَسَةُ الْمُتَنَاجِي فِي شَأْنِهِ لِفِعْلِ الْمُنَاجِينَ.

وَمُلَابَسَةُ مَعْصِيّة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلَابَسَةُ الْمُقَارَنَةِ لِلْفِعْلِ، لِأَنَّ نَجْوَاهُمْ بَعْدَ أَنْ نَهَاهُم النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا مَعْصِيَةٌ وَفِي قَوْلِهِ: نُهُوا عَنِ النَّجْوى وَقَوْلِهِ: وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ لَا يَهُودُ لِأَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ