للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ إِلَى آخِرِهِ مُبَالَغَةٌ فِي نِهَايَةِ الْأَحْوَالِ الَّتِي قَدْ يُقْدِمُ فِيهَا الْمَرْءُ عَلَى التَّرَخُّصِ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ بِعِلَّةِ قُرْبِ الْقَرَابَةِ.

ثُمَّ إِنَّ الَّذِي يُحَادُّ الله وَرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ مُتَجَاهِرًا بِذَلِكَ مُعْلِنًا بِهِ، أَوْ مُتَجَاهِرًا بِسُوءِ مُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَجْلِ إِسْلَامِهِمْ لَا لِمُوجِبِ عَدَاوَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِظْهَارُ عَدَاوَتِهِ قَالَ تَعَالَى: إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة: ٩] وَلَمْ يُرَخَّصْ فِي مُعَامَلَتِهِمْ بِالْحُسْنَى إِلَّا لِاتِّقَاءِ شَرِّهِمْ إِنْ كَانَ لَهُمْ بَأْسٌ قَالَ تَعَالَى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً [آل عمرَان: ٢٨] .

وَأَمَّا مَنْ عَدَا هَذَا الصِّنْفَ فَهُوَ الْكَافِرُ الْمُمْسِكُ شَرَّهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ تَعَالَى: لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: ٨] .

وَمِنْ هَذَا الصِّنْفِ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَقَدْ بَيَّنَ شِهَابُ الدِّينِ الْقَرَافِيِّ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ مَسَائِلَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِرِّ وَالْمَوَدَّةِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً بِآيَةِ لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ [الممتحنة: ٨] وَأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَالَتَهَا.

فَ لَوْ وَصْلِيَةٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى لَوْ الْوَصْلِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٩١] وَرُتِّبَتْ أَصْنَافُ الْقَرَابَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّدَلِّي مِنَ الْأَقْوَى إِلَى مَنْ دُونَهُ لِئَلَا يُتَوَهَّمَ أَنَّ النَّهْيَ خَاصُّ بِمَنْ تَقْوَى فِيهِ ظَنَّةُ النَّصِيحَةِ لَهُ وَالِائْتِمَارُ بِأَمْرِهِ.

وَعَشِيرَةُ الرَّجُلِ قَبِيلَتُهُ الَّذِينَ يَجْتَمِعُ مَعَهُمْ فِي جَدٍّ غَيْرِ بَعِيدٍ وَقَدْ أَخَذَ الْعُلَمَاءُ مِنْ هَذِهِ

الْآيَةِ أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ لَا يُوَادُّونَ مَنْ فِيهِ مَعْنًى مِنْ مُحَادَّةِ الله وَرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَرْقِ سِيَاجِ شَرِيعَتِهِ عَمْدًا وَالِاسْتِخْفَافِ بِحُرُمَاتِ الْإِسْلَامِ، وَهَؤُلَاءِ مِثْلُ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ فِي الْأَعْمَالِ مِنْ كُلِّ مَا يُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مرتكبه بالدّين وينبىء عَنْ ضُعْفِ احْتِرَامِهِ لِلدِّينِ مِثْلُ الْمُتَجَاهِرِينَ بِالْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ السَّاخِرِينَ